الاستخبارات الإسرائيلية: الأسد سيزول وحزب الله مشتت

الاستخبارات الإسرائيلية: الأسد سيزول وحزب الله مشتت

22 فبراير 2014
أهم ما يورده التقرير فرص التعاون المستقبلي مع السعودية
+ الخط -
يندر جداً أن تأتي تقارير الاستخبارات الإسرائيلية المقدمة للمستويين السياسي والعسكري بأخبار "جيدة" للقيادات الإسرائيلية، لكن صحيفة "يديعوت أحرونوت" كشفت في ملحقها الأسبوعي، عن تقارير تقول إنها تحمل في طياتها "كأساً مملوءة". إذ إنه خلافاً لما كان يُعتقد سابقاً، فإن قوة الردع الإسرائيلية استعادت بعض عافيتها، فضلاً عن أن إيران بدلت سلّم أولوياتها، لدرجة قلّصت فيها دعمها لسوريا وحزب الله، ووجهت استثمارها للداخل الإيراني.
ووفقاً لما أوردته "يديعوت أحرونوت"، فإن سوريا "فقدت نصف جيشها، والرئيس السوري بشار الأسد، فقد سيطرته على 75 في المئة من الأرض السورية، ونظامه إلى زوال في كل تسوية أو حل قادم للأزمة السورية". وتظهر التقارير الاستخبارية، أن جهد حزب الله مشتّت بين الميدان السوري، وبين الانتشار في الجنوب اللبناني، وبينهما يدفن موتاه ليلاً، ويخسر مواقعه المعنوية حتى بعد نجاحه بإدخال 8 وزراء لحكومة لبنان الجديدة.
ويرى المحلل العسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، أليكس فيشمان، أن استئناف المفاوضات بين إيران والدول الغربية كان فرصة لعرض تقديرات جهاز الإستخبارات العسكرية "أمان" على طاولة القيادتين السياسية والعسكرية في إسرائيل. وبموجب التقرير المذكور، فإن إيران لم تتنازل عن حلمها بامتلاك القوة العسكرية الذرية، وهي قد تحقق هدفها إذا ظلت القيادة الحالية في الحكم ولم تقع تغييرات دراماتيكية على الحلبة الدولية.
 
تداعيات الانكفاء الإيراني نحو الداخل
يقول من أعدّ التقرير إن إيران تحت مظلة الرئيس حسن روحاني، مرّت بتحول كبير، فالرجل تمكن من تقليص قوة "الحرس الثوري"، الحربة الأولى في الحرب السريّة ضد إسرائيل، وتحويل نقطة الاهتمام إلى الاستثمار في رفاهية المواطن الإيراني والأوضاع الداخلية في إيران.

هذا التحول ستكون له تداعيات وإرهاصات هامة ومباشرة على قوة المحور الراديكالي: إيران وسوريا وحزب الله، إذ تم تحويل حصة كبيرة من الموارد التي استثمرت لغاية الآن في دعم أنظمة راديكالية، وتصدير الثورة الإسلامية للاستثمار في الداخل. ونتيجة لذلك، تقلّل إيران اليوم من دعمها الاقتصادي لسوريا وحزب الله.
ووفقاً للتقرير، فإنه على الرغم من أن المفهوم الأمني لإيران مبني على اعتبار سوريا وحزب الله خط الدفاع الأول عنها في وجه إسرائيل، إلا أن هذه الجبهة بدأت تتصدع وهو ما يشكل بشرى سارة لإسرائيل، وخصوصاً على ضوء تعزز قوة المنظمات الجهادية العالمية، والفوضى الإقليمية وتوجيه عشرات آلاف الصواريخ باتجاهها .
ووفقاً للتقديرات الإسرائيلية، فإن المحور الراديكالي أخذ يفقد "رِجلين من الأرجل الثلاثة التي كان يقف عليها، وهما الرِجل السورية ورِجل حزب الله، اللتين بدأتا تتهاويان. فلا يوجد أدنى شك، اليوم، عند أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية أن الأسد لن يبقى في الحكم في سياق أي اتفاق لتسوية الأزمة السورية، بعد أن فقد الرجل نهائياً شرعية حكم شعبه، بينما تتراجع قوة ونفوذ حزب الله على الأرض السورية".
ويحدد التقرير أن صورة الوضع الحقيقي في سوريا تشير إلى أزمة لا يمكن إعادة الأوضاع بسببها إلى ما كانت عليه في السابق. فقد انقسم الجيش السوري إلى قسمين، ولم يبق فيه بعد ثلاث سنوات من الحرب الأهلية سوى 200 ألف جندي من أصل 400 ألف جندي. والأكثر أهمية من ذلك هو ما يتعلق بحجم الخسائر والإصابات داخل الجيش السوري، إذ فقد الجيش 30 ألف جندي، فيما أصيب 90 ألف جندي، ناهيك عن أنه لا يمكن تقدير حجم الضرر المعنوي الذي أصابه. وهي خسائر أكثر مما فقده على امتداد حروبه مع إسرائيل كافة. ووفقاً للتقرير، لا يمكن الحديث عن تقديم العلاج الطبي اللائق للجرحى، إذ يقبع عشرات آلاف المصابين من الجيش في منشآت طبية مؤقتة تفتقر لأدنى المواصفات والأجهزة الطبية لإنقاذ حياتهم وحياة المصابين من المواطنين والمدنيين. وتخطى عدد قتلى الأوضاع السورية، من الجيش والمواطنين المدنيين الـ150 ألف قتيل، فيما تشرد 4 ملايين سوري في مخيمات اللجوء.
ولعل ما يهم إسرائيل في هذا السياق هو التراجع المستمر لقدرة الأسد على إطلاق صواريخه باتجاه إسرائيل. ووفقاً للتقديرات الاستخبارية الإسرائيلية، لم يعد الجيش السوري قادراً على تهديد إسرائيل، "صحيح أنه يملك قدرة بعيدة المدى، وقدرات دفاع جوية، إلا أن عيون الأسد لم تعد تتطلع إلى الجنوب، وقد أخلى غالبية قواته من الجولان وجبل الشيخ لصالح المعارك الداخلية".
ووفقاً للتقرير، يعتقد السوريون أن إسرائيل غير معنية بشن حرب ضدهم، لكن ما قد يورط الأسد هو تسخين الجبهة اللبنانية مع حزب الله. ويرى التقرير أن الأسد مدين للتنظيم الذي أرسل نحو 5000 جندي من مقاتليه إلى سوريا وفقد نحو 400 مقاتل منهم لغاية الآن.
 
إسرائيل في المرآة العربية
التقارير الاستخباراتية الإسرائيلية اهتمت بنظرة العرب إلى إسرائيل وقدراتها العسكرية. وفي هذا السياق فإن تقريراً دورياً يقدم كل ثلاثة أشهر للمستويات السياسية في إسرائيل، يظهر، بحسب فيشمان، صورة "وردية" من وجهة نظر إسرائيل.
العرب، بحسب تقرير "أمان"، يعتبرون القيادة الإسرائيلية صلبة ومتشددة ولا يمكن توقع ردها في المجال الأمني، فهي قادرة على اتخاذ قرارات عسكرية تفوق حجم الضربة التي تتلقاها. وقد بات "جيراننا في الشمال مقتنعون أنه في حال اندلاع حرب، أو مثلا أزمة بين إسرائيل وحزب الله، فسوف يزرع الجيش الإسرائيلي في لبنان خراباً لم يشهده لبنان من قبل".

هجمات إسرائيلية سريّة
ولم يغب عن التقارير الاستخبارية تناول العمليات السرية التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي في الدول المجاورة. ولن يكون خطأ، من وجهة النظر الإسرائيلية، الاعتقاد بأن الطرف الآخر يستعين بخبرات أجنبية لتعلم ودراسة طرق عمل الجيش الإسرائيلي والوسائل التي استخدمها عند شن ما يطلق عليه في الصحف الأجنبية "الهجمات الغامضة" لسلاح الجو الإسرائيلي في سوريا. وفي هذا السياق يبدو أن الجيش الإسرائيلي، يوفرّ وفقاً للتقديرات الإسرائيلية، المطلوب منه، وهو قدرة ردع تقلق بال الطرف الآخر.
ويتوقف التقرير بشكل خاص عند تراجع حزب الله وقوته المعنوية والعسكرية بعد تورطه في سوريا. وبحسب تقرير "أمان"، فإن حزب الله يمر الآن بأصعب أوقاته منذ تأسيسه على الرغم من نجاحه في إدخال 8 وزراء لحكومة لبنان الجديدة. ويبني التقرير على ذلك للقول إن "مكانة الحزب تتراجع في لبنان والعالم العربي". ويضيف "لكن مكانة حزب الله لا تتراجع لهذا السبب فقط وإنما بالأساس أيضاً بفعل تقليص الدعم المالي والعسكري الإيراني لمنظمة حزب الله، وإذا كان ذلك غير كاف فقد وصفه الأوروبيون والأميركيون بمنظمة إرهابية وهو ما لا يساعد في تعزيز مكانته".


الجمود والمواجهة مع الفلسطينيين
يرسم تقرير الاستخبارات العسكرية أيضاً سيناريوهات للأوضاع في حال تعثر المفاوضات مع الفلسطينيين في ظل ما يبدو أنه طريق مسدود. ويرى التقرير أن فشل مبادرة وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، لن يؤدي بالضرورة إلى اندلاع انتفاضة شاملة، إذ تعتقد قيادة المنطقة الوسطى في الجيش الإسرائيلي (المسؤولة عن الضفة الغربية المحتلة) أنه كلما كان الوضع الاقتصادي في الضفة الغربية معقولاً ومحتملاً، كلما تراجعت احتمالات اندلاع مواجهة عسكرية. لذلك يوصي التقرير المستوى المهني والمستوى السياسي الإسرائيلي "بإرخاء الحبل" للفلسطينيين وتوسيع هامش حرية الحركة والتنقل، ومنحهم رخصاً للبناء، وتطوير مناطق صناعية، وتوسيع صلاحيات السلطة الفلسطينية في مناطق "بي و"سي".
أما في غزة، فإن التقديرات الإسرائيلية، تشير إلى أن حركة "حماس" مشغولة الآن في تثبيت حكمها أكثر من انشغالها في السعي لمواجهة عسكرية مع إسرائيل.
ويرى التقرير أن العامل الأساسي عند أهالي غزة هو أيضاً العامل الاقتصادي، اذ "تخلى الإيرانيون عن حماس، كما قل دعم الأتراك لهم، فيما يعتبر المصريون غزة عدواً لهم". ويضيف التقرير "المكان الوحيد الذي يمكن لغزة أن تشتري منه البضائع اليوم هو إسرائيل، لكن الأسعار أضعاف الأسعار في مصر". وهنا يقول التقرير إن قيادة المنطقة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي توصي هي الأخرى بتقديم تسهيلات في مجال نقل البضائع ومواد البناء لغزة.
تقاطع مصالح مع السعودية ومصر
ولعل أهم ما يورده التقرير في السياق السياسي هو فرص التعاون المستقبلي مع السعودية واعتبارها المفتاح الرئيسي للعلاقات مع العالم العربي. ويقول التقرير إنه في الوقت الذي يضعف فيه المحور الراديكالي في العالم العربي، فإن إسرائيل ترصد تصاعد قوة المحور العربي. وتحدد دولة الاحتلال أربع مجالات مشتركة تتقاسمها مع المحور العربي المعتدل وبالأساس مع السعودية ومصر وهي "محاربة الإخوان المسلمين، محاربة الجهاد العالمي، استقرار سوريا وإضعاف حزب الله ومحاصرة خطواته".       
ويكشف التقرير أن هناك على ما يبدو نوعاً من الاتصالات وتبادل للرسائل مع السعودية عبر جهات غير رسمية. ووفقاً للتقرير، يضع السعوديون شرطين لإشهار اتصالاتهم مع إسرائيل؛ قبول المبادرة السعودية من العام 2002، وإحراز تقدم ما في المفاوضات مع الفلسطينيين.
وفي السياق، يقول فيشمان إنه إذا لم تكن إسرائيل تملك الكثير للقيام به إزاء الفرصة الإستراتيجية التي يضعها أمامها المحور الراديكالي، فإنه لا يمكنها أن تقف مكتوفة اليدين إزاء الفرصة التي يطرحها عليها المحور المعتدل. ويضيف لا يوجد شك أن العلاقات بين إسرائيل والسعودية هي ركن إستراتيجي يستحق أن تدفع إسرائيل مقابله أثماناً سياسية في قطاع أقل أهمية، الطرف الفلسطيني على سبيل المثال. لكن المسافة بين ما يصدر من تصريحات وأقوال بهذا الشأن عن ديوان رئيس الحكومة وما يحدث على أرض الواقع كبيرة للغاية.
 

المساهمون