الأمم المتّحدة وإحياء ذكرى النّكبة

28 مايو 2023
شعلة الذكرى الـ 75 للنكبة في نابلس (ناصر اشتيه/Getty)
+ الخط -

للمرّة الأولى في تاريخها، أحيت الأمم المتّحدة عبر اللجنة المعنيّة بممارسة الشعب الفلسطينيّ لحقوقه غير القابلة للتّصرف ذكرى النّكبة رسميّاً، من خلال حدثين نظما في مقر الأمم المتّحدة، أوّلهما اجتماع خاص رفيع المستوى، والثاني حدث تذكاري خاص وحفلة موسيقية في قاعة الجمعية العامة للأمم المتّحدة. يحيلنا الحدث الأممي إلى تسليط الضوء على قصور فلسطينيّ باين في تصدير النّكبة عالميّاً، لكن وقبل الحديث عن ذلك لا بدّ في البداية من الإشادة؛ ربما للمرّة الأولى، بدور السلطة الفلسطينيّة في حث الأمم المتّحدة على هذه الفعّاليّة، على الرغم من سلبيات السلطة العديدة والخطيرة، كما يجب نقد؛ وبشدّة، كلمة رئيس السلطة في خضم الفعاليّة، إضافةً إلى نقد سلبية المنظمة الأممية تجاه القضية والشعب الفلسطينيّ عامةً، وتداعيات النّكبة فلسطينيّاً خاصةً، وهو ما تجسد في تجاهلها التذكير بالنّكبة في السنوات السابقة، كما يتجسد في حصر إحياء ذكراها لمرّة واحدة فقط، رغم أنّنا أمام نكبة مستمرّة منذ خمسةٍ وسبعين عاماً.

بالعودة إلى موضوع المقالة الرئيسيّ؛ نجد خللاً مفاهيميّاً فلسطينيّاً في الترويج لمقولة "إحياء ذكرى النّكبة"، فالنّكبة مصطلح فلسطينيّ يصف جرائم الاحتلال الصهيونيّ بحق شعب وأرض فلسطين، الّتي تكثفت منذ مايو/أيّار 1948، والمتمثّلة في تهجير الفلسطينيّين قسريّاً وتطهيرهم عرقيّاً، وهي جرائم مستمرّة حتى اليوم إلى جانب جرائم أخرى مثل الفصل العنصريّ والاعتقال التعسفيّ والعقاب الجماعيّ والاستيطان والجرائم البيئيّة وغيرها الكثير، وعليه فالنّكبة بدأت في العام 1948، وهي مستمرّة إلى اليوم، وبالتالي فهي واقع متجسّد يوميّاً، أي ليست ذكرى، ومن واجبنا التذكير سنويّاً؛ بالحد الأدنى، بالنّكبة الفلسطينيّة المستمرّة، وعليه فالمصطلح الأنسب هنا هو "التذكير بالنّكبة المستمرّة"، بدلاً من شعار إحياء ذكرى النّكبة.

نجح ثلةٌ من الأكاديميين الفلسطينيين وغير الفلسطينيّين؛ منهم من أتباع الديانة اليهوديّة، في كشف ودحض الرواية الصهيونيّة علمياً، عبر أبحاثٍ ودراساتٍ أكاديميّةٍ موثوقةٍ ومعتمدةٍ،

كذلك؛ نجد قصوراً واضحاً في تحويل النّكبة إلى حدثٍ عالميٍّ سنويٍّ، سواء عبر أروقة الأمم المتّحدة، أو عبر توثيقها فنيّاً وسينمائيّاً، أو من خلال إنشاء متاحف مختصة بالنّكبة المستمرّة حول العالم، وخصوصاً في الدول الأكثر تأثيراً، أميركا وأوروبا، تتضمن صوراً ومقاطع فيديو وسجلاً محدثاً لضحايا الاحتلال الإجراميّ، بغرض توثيق القرى والعائلات الّتي طاولتها جرائم الاحتلال منذ النّكبة إلى اليوم.

لقد باتت هذه الخطوة ضروريّة اليوم بغرض التأثير على الوعي الشعبي العالميّ، استناداً إلى وثائق عديدة كشفت جرائم الاحتلال وثقتها بريطانيا والاحتلال الصهيونيّ، تؤكد جميعها على الرواية الفلسطينيّة وتسهل نشرها، وهي أداة فاعلة في مواجهة الآلة الإعلاميّة الصهيونيّة، الّتي تحجب الحقائق وتحرفها، وتدير الزّوايا من أجل التأثير على الرأي العام العالميّ، فقد نجح ثلةٌ من الأكاديميين الفلسطينيين وغير الفلسطينيّين؛ منهم من أتباع الديانة اليهوديّة، في كشف ودحض الرواية الصهيونيّة علمياً، عبر أبحاثٍ ودراساتٍ أكاديميّةٍ موثوقةٍ ومعتمدةٍ، لكنها دراساتٌ تخصّصيّةٌ تعني المعنيّين بالشّأن الفلسطينيّ والحق الإنساني، وهنا يكمن دورنا في تصدير هذه المراجع إلى الرأي العام العالميّ، من خلال الأدوات المتاحة البصريّة والسمعيّة.

لقد نجحت مجموعات شعبيّة عدة حول العالم في تحويل مأساتها إلى قضيّة عالميّة، تستقطب تعاطف ومؤازرة دول وشعوب العالم، رغم مضي عشرات السنين؛ أحياناً مئات، على هذه المآسي، بغرض إثبات حجم الجرائم الّتي ارتكبت بحقها، وتحقيق الحدّ الأدنى من العدالة لذوي الضّحايا والمعذَّبين، ولو بمجرد الاعتراف بسرد الضّحية للأحداث، كما حصل مع الشعوب الأصليّة في أميركا وأستراليا ونيوزيلندا، أو كما حصل مع الأرمن وسواهم، في حين يعيش الفلسطينيّ نكبة مستمرّة منذ أكثر من خمسة وسبعين عاماً، وعليه فإنّ تحويل النّكبة المستمرّة إلى قضيّة عالميّة على المستوى الشعبيّ قبل الرسميّ، وبما يتجاوز الحركات التضامنيّة حول العالم، أمرٌ ممكن نظريًّا، لكنه يتطلب فعلاً فلسطينيًّا جامعاً وعابراً للتنافس والمحسوبيات السياسيّة.