الأزمة الاقتصادية لحماس تهدد قدرتها على الحكم

14 مارس 2014
مقاتلو حماس يقدر عددهم ب15 ألف (أشرف عمرة/ الأناضول)
+ الخط -
يجهر الموظفون الحكوميون في غزة بالشكوى من أنهم لم يحصلوا إلا على رواتبهم الأساسية خلال الأشهر الأربعة الماضية. ونظم سائقو حافلات الركاب إضراباً بسبب الارتفاع الشديد في أسعار الوقود. ويفقد العمال وظائفهم بسبب توقف حركة البناء.

يقول أحمد زيتونية (32 عاما)، الذي كان متوجهاً إلى عمله في وزارة الثقافة سيراً على الأقدام لأنه لم يعد في مقدوره تحمل رسم حافلة النقل البالغ دولاراً واحداً، إنه "لم يحدث وأن مررت بموقف أسوأ من هذا".

في الوقت نفسه، من المستبعد أن تنفرج عزلة غزة عما قريب، إذ تشدد إسرائيل ومصر إغلاق الحدود مع القطاع الساحلي الضيق.

وأغلقت إسرائيل معبر الشحن الحدودي الوحيد بينها وبين غزة يوم الأربعاء الماضي، بعد ما أطلقت "حركة الجهاد الإسلامي" عشرات الصواريخ من القطاع باتجاه إسرائيل. مع ذلك، احترمت "حماس" بدرجة كبيرة الهدنة مع إسرائيل منذ عدوان  عام 2012، ولا يبدو أنها راغبة في مزيد من التصعيد.

ما غيّر قواعد اللعبة بالنسبة إلى حماس، كان انقلاب الجيش المصري في يوليو/ تموز الماضي على الرئيس المعزول محمد مرسي. وتحظر الحكومة المدعومة من الجيش في القاهرة، منذ ذلك الوقت جماعة الإخوان المسلمين - التي ينتمي إليها مرسي وتعد "حماس" أحد فروعها - وأغلقت معظم أنفاق التهريب على طول الحدود مع غزة، والتي كانت بمثابة شريان اقتصادي للقطاع.

وفقدت حماس نحو ثلثي إيراداتها نتيجة لذلك، بحسب الخبير الاقتصادي في غزة، عمر شعبان. وفي ظل وجود الأنفاق، كانت حماس تجني حوالي 500 مليون دولار، من ميزانية سنوية تقارب الـ 900 مليون دولار،  كل عام من الضرائب على الواردات المصرية، وفقا لتقديرات شعبان.

وعزز الوقود الرخيص والإسمنت وغير ذلك من السلع المستوردة من مصر الاقتصاد الغزاوي، لا سيما قطاع الإنشاءات المحلي الذي يعمل فيه عشرات الآلاف من العمال.

أما في الوقت الراهن، فلا تستطيع الحكومة تسديد الأجور بالكامل لـ51 ألف موظف مدني وفي قوى الأمن. وقد حصل الموظفون الحكوميون على الراتب الأساسي فقط في الأشهر الماضية. ويقول بعض مسؤولي "حماس"، إنه يمكن تدبير إيرادات جديدة، من خلال زيادة الضرائب على الشركات الكبيرة. لكن الحصار يخنق الاقتصاد، فإسرائيل تسيطر على المجال الجوي لغزة وتغلق القطاع من البحر وتفرض قيوداً مشددة على حركة الأشخاص والسلع براً.

وللمرة الأولى منذ سنوات، تكون هناك موجة من التكهنات، ولو محدودة، بأن حماس ربما ستقصيها الصعوبات المتفاقمة عن السلطة.

في السياق نفسه، أظهر استطلاع داخلي، شبه دوري، أجرته حماس في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أن التأييد للحركة تراجع إلى 29 في المائة، بعد أن كان 55 في أواخر عام 2012. وقد شمل الاستطلاع ثلاثة آلاف شخص في غزة وهامش الخطأ فيه 1.5 في المائة.

في المقابل، يعتقد كثيرون أن الحركة الإسلامية المسلحة ستحافظ على قبضتها لأنه لا يوجد على الأرض من يحل محلها. فالمنافس السياسي الرئيسي لحماس، حركة فتح، التي يتزعمها الرئيس محمود عباس، يعاني من انقسام مع انصار القيادي المفصول محمد دحلان المولود في غزة، ويعيش في الامارات منذ سنوات.

يخشى آخرون المجاهرة بالإحباط. فحماس، التي تملك قوة يفوق قوامها 15 ألف مسلح، مستعدة للتحرك سريعاً لإخماد أية اضطرابات. فقد نظم سائقو سيارات الأجرة وحافلات الركاب إضرابا ليوم واحد في الشهر الماضي، بسبب ارتفاع أسعار الوقود. وعلى الفور احتجزتهم قوى أمن "حماس" لساعات عدة، ولم تطلق سراحهم إلا بعد التوقيع على تعهدات بعدم الإضراب مرة أخرى، بحسب السائق وسام أبو لحية (41 عاماً).

وقال أبو لحية إنه "في اليوم الأول الذي دعونا فيه إلى الإضراب، وصفنا البعض بالمتعاونين" مع مصر وإسرائيل.

لكن "حماس" قدمت كذلك تنازلاً للسائقين، فسمحت لهم بزيادة الرسوم بضعة سنتات. وبعد ما توقف تهريب الوقود من مصر، يدفع السائقون الآن ثلاثة أضعاف السعر مقابل الديزل والغاز الإسرائيلي المستورد بشكل قانوني.

قبل عام فقط، بدا أن فرص "حماس" أفضل بكثير، فجماعة "الإخوان المسلمين" وصلت إلى السلطة عبر الانتخابات في مصر، وتمتعت "حماس" بعلاقات حسنة مع القوتين الإقليميتين قطر وتركيا. لكن الانقلاب العسكري في مصر، الصيف الماضي، قلب حظوظ "حماس" بشكل دراماتيكي.

من جهة ثانية، حذر أحمد يوسف، وهو ينتمي إلى الجناح "المعتدل" داخل "حماس"، من أن الوضع الراهن في غزة لا يمكن تحمله. وقال يوسف، في مقال أرسله إلى الصحافيين، إنه "لم يعد من الممكن لمؤسسات الحكومة وقف التدهور المستمر في جميع دروب الحياة".

وفي غضون ذلك، صار نقص الكهرباء المزمن في غزة أسوأ من ذي قبل من دون الوقود المصري. وفي أحسن الأيام، تعمل الطاقة لـ 8 ساعات مرتين في اليوم، لكن ساعات التشغيل تصبح 6 ساعات والانقطاع 12 ساعة حين ينفد الوقود من محطة الطاقة الوحيدة في القطاع، على النحو الذي تكرر خلال الأشهر الماضية. وفي الوقت نفسه، لم يعد في مقدور كثيرين في غزة تحمل تكلفة تشغيل مولدات الطاقة.

ويقول أبو إبراهيم (40 عاماً)، وهو نقيب في شرطة المرور يحصل على أقل من ثلث راتبه منذ ديسمبر/ كانون الأول الماضي: "عدنا إلى استخدام الشمع". وتحدث، شرط ذكر كنيته فقط، خشية أن يواجه مشكلات مع مسؤولي "حماس".

وعلى صعيد متصل، أصبحت حركة السير خفيفة على غير العادة. ويقول بعض أصحاب المحال إنهم بدأوا في تجنب المستهلكين الذين يطلبون الشراء بالأجل لأن التجار يواجهون ديوناً مرتفعة. ومن بين الفئات الأشد تضرراً، آلاف العمال في غزة الذين خسروا أشغالهم بعدما توقف العمل في مواقع البناء، ويحصلون على مجرد إعانات اجتماعية.

ومن المفارقات، أنّ عشرات آلاف الموظفين الحكوميين في غزة، الذين تركوا وظائفهم عقب سيطرة "حماس" على القطاع، يتلقون حتى الآن رواتبهم من حكومة عباس في الضفة الغربية.

وليس ثمة حتى الآن ما يدل على أن "حماس" تبذل جهدا أكبر من أجل التوصل إلى اتفاق لتقاسم السلطة مع عباس، وهو اتفاق سيتطلب تنازلات "مؤلمة".

وفي الوقت الحالي، يبدو أن "حماس" تحاول، فحسب، إدارة الأزمة على أمل أن تتبدل الأوضاع الإقليمية يوماً ما. أما بالنسبة إلى الغرب، فمن المفترض أن يكون انهيار حكومة "حماس" بمثابة انفراجة، فالولايات المتحدة وأوروبا تعتبران "حماس" عقبة أمام أي اتفاق سلام إسرائيلي - فلسطيني بشأن إقامة دولة فلسطينية على أراض احتلتها إسرائيل في عام 1967.

مع ذلك، قدّر دبلوماسيون أوروبيون في تقرير سنوي لهم، أنه لا إسرائيل ولا مصر "ترغبان في انهيار كامل لحماس في الوقت الحالي، إذ سيخلف ذلك على الأرجح فراغاً خطيراً في السلطة" في غزة.

المساهمون