اشتباكات سجن الصناعة في الحسكة: تفسيرات متباينة لتأخر الحسم

اشتباكات سجن الصناعة في الحسكة: تفسيرات متباينة لتأخر الحسم

26 يناير 2022
نفذ عناصر "قسد" حملة تمشيط في حيّ الزهور (فرانس برس)
+ الخط -

لم تستطع "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، حسم الموقف في مدينة الحسكة، رغم مرور أيام على هجوم واسع النطاق من قبل "داعش" على سجن الصناعة (غويران)، والذي تشير المعطيات إلى أنه استعد جيداً لهذه "الغزوة"، ووضع في حساباته السيطرة عليه والتمترس فيه.

ولا تزال "قسد" تحاول، منذ يوم الجمعة الماضي، إنهاء الوضع المتأزم في سجن الصناعة في مدينة الحسكة، ولكن يبدو أنها تواجه صعوبات جمة.

وأعلن المركز الإعلامي لـ"قوات سورية الديمقراطية" في بيان، أمس الثلاثاء، أن هذه القوات حررت، مساء الاثنين الماضي، "في عمليات أمنية وعسكرية دقيقة، تسعة أسرى (موظفي السجن) من قبضة إرهابيي داعش"، موضحاً أنه تم نقل هؤلاء الأسرى إلى أماكن آمنة.

استهداف عناصر "داعش" المتحصنين بمنازل المدنيين

وبيّن المركز أن هذه القوات قامت بحملة تمشيط في حيّ الزهور، لـ"استهداف المتحصنين في منازل المدنيين من إرهابيي داعش، من الذين خططوا لتنفيذ عمليات إرهابية لمؤازرة الإرهابيين في سجن الصناعة"، وأعلن عن "مقتل خمسة إرهابيين يرتدون أحزمة ناسفة".

مفاوضات تجري للإفراج عن رهائن وأسرى من "قسد" مقابل معالجة جرحى داعش

وفي السياق، نفذت "قسد"، التي تشكل الوحدات الكردية ثقلها الرئيسي وتتلقى دعماً من التحالف الدولي، "عمليات مداهمة استهدفت أوكار الإرهابيين، حيث اشتبكت مع عدد منهم، قُتل خلالها تسعة إرهابيين، بينهم انتحاريان"، وفق البيان.

وأكد المركز مقتل 3 عناصر من تنظيم "داعش" خلال اشتباك في جنوب الحسكة على أطراف نهر الخابور، وأشار إلى أن "قواتنا تواصل عملياتها الأمنية والعسكرية بكل دقّة في سجن الصناعة ومحيطه، وريف دير الشرقي وكذلك إقليم الرقة".

وأعلن عن استسلام 250 عنصراً من التنظيم، صباح أمس الثلاثاء، مشيراً إلى أن عدد العناصر المنتمين للتنظيم الذين سلموا أنفسهم ارتفع إلى 550 عنصراً، كما أكد سيطرة "قوات سورية الديمقراطية"، أمس الثلاثاء، على كتلة من المباني تتألف من 8 مهاجع في السجن، مشيراً إلى أن حملة التمشيط مستمرة.

 166 قتيلاً من "داعش" و"قسد"

من جانبه، أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن عدد القتلى بلغ، منذ بدء عملية "سجن غويران، مساء الخميس الماضي وحتى أمس الثلاثاء، 166 قتيلاً، وأوضح أن القتلى 114 من تنظيم "داعش" و45 من "الأسايش" وحراس السجن وقوات مكافحة الإرهاب (التابعة لـ"قسد")، و7 مدنيين.

ولفت المرصد، في بيان، إلى أن عدد القتلى "أكبر من ذلك، ولا يُعلم العدد الحقيقي حتى اللحظة، نظراً لوجود عشرات لا يعرف مصيرهم"، وأشار إلى أن مفاوضات تجري للإفراج عن رهائن وأسرى من "قسد" مقابل معالجة الجرحى من عناصر التنظيم داخل سجن غويران.

وتشير المعطيات المتوافرة إلى أن عناصر تنظيم "داعش"، المتحصنين بالسجن الواقع في حي غويران والمحاصر من كل اتجاه، يحتجزون عدداً من عناصر "قوات سورية الديمقراطية"، وهو ما يصعّب مهمة هذه القوات في اقتحام السجن والتعامل مع العناصر المتمردة داخله.

ويبدو أن التنظيم استعد جيداً لـ"عملية غويران"، وأنه وضع في حساباته كل الخيارات، بما فيها الاستعصاء في السجن والتفاوض مع "قسد" والتحالف الدولي، بقيادة أميركا، على الخروج من السجن بأقل الخسائر.

وكان التنظيم قد أبرم صفقات مع عدة أطراف فاعلة في سورية للانتقال من مكان إلى آخر، أبرزها مع "حزب الله" اللبناني في منطقة القلمون في ريف دمشق في العام 2017، ومع النظام السوري في دمشق وجنوب سورية في 2018، حيث انتقل عناصر "داعش" إلى البادية السورية.

وذكرت مصادر محلية أن "قسد" استقدمت تعزيزات، تضم المئات من العناصر، للتعامل مع الموقف الصعب الذي لم يسبق لها مواجهته، في واحد من أخطر السجون في العالم، كونه يضم آلاف العناصر من تنظيم "داعش"، بينهم قياديون من الصفين الأول والثاني.

الهدف القبض على الفارين من سجن الصناعة

وعن أسباب تأخر "قوات سورية الديمقراطية"، أو فشلها في السيطرة على السجن وإنهاء الاستعصاء، قال القيادي في "قسد" محمود حبيب، في حديث مع "العربي الجديد"، إن أضراراً كبيرة كانت ستحصل لولا التدخل السريع والفعال".

وأشار إلى أن "العمل جارٍ على عدة محاور"، مضيفاً أن الهدف هو القبض على الفارين من السجن، وعلى الخلايا التي دخلت من خارج الحدود ومن ساعدها، وتأمين السجن من الداخل مع وجود رهائن، وأكد أنه "ستتم إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل العملية"، وقال: علينا الأخذ بعين الاعتبار التقليل من الضحايا، وإدارة الأزمة بكل فعالية.

وطالب حسين عزام، عضو المكتب السياسي في "مجلس سورية الديمقراطي" (الواجهة السياسية لـ"قسد")، في حديث مع "العربي الجديد"، المجتمع الدولي بدعم "الإدارة الذاتية" في شمال شرقي سورية "بشكل أكبر".

مصطفى الفرحات: بقاء "داعش" نشطاً في سورية يحقق مصلحة عدة جهات
 

واعتبر أن المجتمع الدولي لم يقف مع "قسد" بشكل جاد في أزمة سجن غويران، وأوضح أن أسرى التنظيم في السجن من 55 دولة، مضيفاً: كان يجب على هذه الدول أن يكون لها موقف جاد، لأن هؤلاء الأسرى قنابل موقوتة. لم نجد آذاناً صاغية لمحاكمة عناصر التنظيم المحتجزين على الجرائم التي اقترفوها في سورية. يجب أن تقام محكمة دولية لهذا الأمر.

بقاء "داعش" نشطاً مصلحة لعدة جهات

من جانبه، رأى المحلل العسكري العميد مصطفى الفرحات، في حديث مع "العربي الجديد"، أن هناك أسباباً سياسية وعسكرية وراء عدم إنهاء الأزمة في مدينة الحسكة والسيطرة على السجن بأسرع وقت.

واعتبر الفرحات أن بقاء تنظيم "داعش" نشطاً في سورية يحقق مصلحة عدة جهات، منها إيران والنظام و"قسد"، التي وُجدت لمحاربة التنظيم، والذي إذا انتهى ينتهي مبرر وجودها، ومن ثم فإن ما يحصل على الأرض لا يعكس دائماً الحقيقة.

ورأى الفرحات أن "داعش أضعف مما يتخيل البعض، ومن السهل القضاء عليه إذا وُجدت الإرادة لذلك لدى المجتمع الدولي"، وأشار إلى أن "عناصر قسد لا يقاتلون عن عقيدة، وخاصة أولئك القادمين من خارج الحدود"، معتبراً أنه لا يمكن لهذه القوات خوض معارك حقيقية.

وأشار إلى أن "مقاتلي داعش مؤدلجون، ومن ثم هم يقاتلون حتى النفس الأخير"، وأوضح أن التنظيم "يعتمد أسلوب المعارك القريبة المعروفة في الكليات العسكرية"، موضحاً أنه "ينتفي في المعركة القريبة الدعم الجوي والصاروخي والمدفعي. المعارك في الشوارع دائماً لمصلحة تنظيم داعش".