استمرار هجمات "داعش" في رفح يثير علامات الاستفهام

استمرار هجمات "داعش" في رفح يثير علامات الاستفهام

20 أكتوبر 2022
قوات مصرية في رفح الحدودية، نوفمبر 2014 (عبدالرحيم خطيب/الأناضول)
+ الخط -

لم تتوقف هجمات تنظيم "ولاية سيناء"، الموالي لتنظيم "داعش"، بمدينة رفح في محافظة شمال سيناء، خصوصاً المنطقة الساحلية منها، مع بدء دخول المجموعات القبلية إلى المنطقة العازلة، والتي تبلغ مساحتها 5 كيلومترات، قياساً من الحدود المصرية مع قطاع غزة، باتجاه الغرب، أي مدينة الشيخ زويد.

وهذه المنطقة هي التي كان يحظر على أي مصري دخولها، بينما كان التنظيم يتخذ منها نقاطاً للتمركز، بعد تهجير الجيش المصري لكل سكّانها، بقرار من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في أكتوبر/تشرين الأول 2014، ليتم هدم المدينة بشكل كامل، فيما استوطن فيها "داعش" بعد ذلك، حتى يومنا هذا.

قوات الجيش تروّج لفرض سيطرتها

وروّجت قوات الجيش المصري والمجموعات القبلية المساندة لها، أنها تمكنت من فرض السيطرة على ساحل بحر رفح، بالإضافة إلى قرى جنوب رفح، وأحيائها. حتى أنها استضافت قائد الجيش الثاني الميداني اللواء محمد ربيع لصلاة عيد الأضحى في يوليو/تموز الماضي على ساحل البحر.

هجّر الجيش المصري كل سكّان رفح، بقرار من السيسي في 2014

وبعد أيام من ذلك، نفّذ "ولاية سيناء" مزيدا من الهجمات التي أدت إلى وقوع ضحايا في صفوف المجموعات القبلية وقوات الجيش على حدّ سواء. ويشير ذلك إلى أن الصورة التي تحاول القوة العسكرية المشتركة رسمها بالسيطرة والتحكم في الميدان، مخالفة للواقع إلى حد ما، وفق ما يرى متابعون للوضع الميداني في شمال سيناء ورفح على وجه التحديد.

وقالت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" إن ثمة مجموعات مسلحة تابعة لتنظيم "داعش" لا تزال نشطة في مناطق ساحل بحر مدينة رفح، رغم حديث المجموعات القبلية والقيادات الميدانية في الجيش المصري عن فرض السيطرة وطرد التنظيم من كل مناطق رفح والشيخ زويد.

وأدى نشاط مجموعات "داعش" بحسب المصادر، إلى وقوع عدد من الهجمات ضد قوات الجيش والمجموعات القبلية التي حاولت تمشيط مناطق جديدة في رفح المهجرة. وأسفر ذلك عن سقوط قتلى وجرحى من القوة المشتركة في الجيش والمجموعات القبلية والتي راح ضحيتها قبل يومين، اثنان من المجموعات القبلية ومجند في القوات النظامية.

وأضافت المصادر أن استمرار وجود "داعش" في مدينة رفح المهجرة، "ينسف حجة تهجير آلاف المواطنين ومسح رفح التاريخية عن الخريطة، بحجة ملاحقة التنظيم حيث ذهب المواطنون عن مدينتهم، وحل بديلاً عنهم عناصر داعش".

حملة جديدة في رفح بعد الهدم

ويأتي ذلك، بحسب المصادر، في حين تمتنع قوات الجيش عن دخول أحياء رفح منذ الانتهاء من هدمها، خصوصاً الشمالية منها القريبة من شاطئ البحر، وكذلك تمنع المجموعات القبلية من التنقل فيها طيلة السنوات الماضية، إلى أن سمحت بذلك منذ أيام، فيما لاقت هجمات عنيفة من التنظيم، أجبرتها عن إيقاف التمشيط حتى إشعار آخر.

وأشارت المصادر إلى أن قوات الجيش استنفرت المجموعات القبلية المساندة لها، للبدء في أكبر حملة مداهمات وتمشيط في مدينة رفح، خصوصاً المنطقة الشمالية منها، حيث ساحل البحر، بهدف القضاء على ما تبقى من عناصر التنظيم، والبحث عن أماكن اختبائهم فوق الأرض وتحتها.

وجاء ذلك في ظل الحديث عن وجود العديد من الأنفاق والخنادق التي يختبئ فيها عناصر التنظيم، هرباً من قصف الطيران والقصف المدفعي الذي كان يستهدف أماكن تمركزهم طيلة سنوات الحرب. وأوضحت المصادر أنه تم خلال الأيام القليلة الماضية، نشر صور لبعض هذه الأهداف بعد السيطرة عليها من قبل المجموعات القبلية.

يُلاحق عددٌ من سكان مدينة رفح المهجرين، بسبب حملهم بطاقة تعريف "شمال سيناء"

يشار إلى أن إنشاء المنطقة العازلة في مدينة رفح بمساحة 5 كيلومترات أدى إلى تدمير أكثر من 6 آلاف منزل، وجرف آلاف الأفدنة الزراعية، وتهجير ما لا يقل عن 85 ألف نسمة من سكان المدينة، لم يتلقّ جزءٌ كبير منهم أي تعويضات مقابل تهجيرهم من منازلهم حتى هذه اللحظة.

كذلك، يُلاحق عددٌ من سكان مدينة رفح المهجرين الذين انتقلوا إلى السكن في محافظات مصر الأخرى، بسبب حملهم بطاقة تعريف "شمال سيناء". ويجري اعتقال هؤلاء السكان بصورة دورية من دون توجيه أي تهم لهم، خصوصاً في مدينتي العريش وبئر العبد اللتين لجأ إليهما عدد كبير من الأسر المصرية التي كانت تقطن في مدينة رفح.

وتعقيباً على ذلك، قال سليمان أبو النور، أحد وجهاء مدينة رفح المهجرة لـ"العربي الجديد"، إن استمرار الهجمات في مدينة رفح، رغم الحديث المتكرر لقوات الجيش والمجموعات القبلية المساندة له عن السيطرة التامة على مناطق رفح والشيخ زويد والعريش، يثير الدهشة، خصوصاً أننا أجبرنا على ترك منازلنا ومزارعنا في المدينة قبل 9 سنوات.

ورأى أبو النور أن تلك السنوات "يبدو أنها لم تكن كافية كي يقضي الجيش على المجموعات الإرهابية بعدما استغلت تهجيرنا واستقرت داخل أحياء رفح ومنطقتها الساحلية"، مضيفا: "إننا ما زلنا نحلم بالعودة إلى رفح خلال الفترة المقبلة، إلا أن هذه الهجمات المتكررة تدفعنا إلى التشاؤم من إمكانية تحقق الحلم في ظل عدم القدرة على حسم المعركة حتى يومنا هذا".

وأوضح أبو النور أن الأشهر الماضية "أثبتت أن الحل في مواجهة داعش يتمثل في توطين السكان وليس تهجيرهم كما حدث في أكتوبر/تشرين الأول 2014 حينما تقرر إنشاء المنطقة العازلة في مدينة رفح، والتي تمددت من 500 متر حتى وصلت إلى 5 آلاف متر".

تضم المنطقة العديد من الأنفاق والخنادق التي يختبئ فيها عناصر التنظيم، هرباً من قصف

وتمثل الحل، حينذاك، بحسب أبو النور، "بإزالة رفح عن الوجود، ليحل الدواعش في كل زاوية من المدينة، بعدما تحولت إلى مدينة أشباح خالية من السكان، ولم يتمكن الجيش، رغم ذلك من فرض السيطرة التامة عليها".

وأكد أبو النور، أن التنظيم "بقي ينفذ هجمات منذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا، ما يشير إلى أن السكان هم أصل المعادلة في مواجهة داعش وطرده من الأرض بشكل كامل، كما حصل في قرى جنوب رفح والشيخ زويد وبئر العبد والعريش خلال الفترة الأخيرة".

يشار إلى أن عشرات المواطنين عادوا إلى قراهم في رفح والشيخ زويد والعريش وبئر العبد خلال الأشهر الخمسة الماضية، بعد التطورات الميدانية اللافتة، التي كان عنوانها طرد التنظيم الإرهابي من مناطق واسعة من شمال سيناء، بعد سنوات طويلة من تمركزه فيها.

ويستمر وجود التنظيم في بعض المناطق من رفح وغرب سيناء، تحديداً مناطق جلبانة القريبة من قناة السويس الاستراتيجية، وبضع مجموعات في مناطق وسط سيناء، حيث البيئة الجغرافية الوعرة التي لا يمكن لقوات الجيش والمجموعات القبلية التحرك بسهولة فيها، واضطرارهم للوقوف على أطرافها واستخدام الأدوات الإلكترونية والقصف المدفعي والجوي بديلاً للتدخل البري من دون آليات مصفحة.