استمرار "الدعاوى الكيدية" يقلق الناشطين والمتظاهرين العراقيين

استمرار "الدعاوى الكيدية" يقلق الناشطين والمتظاهرين العراقيين

27 مارس 2022
استياء المتظاهرين والناشطين العراقيين من مطاردتهم (حسين فالح/ فرانس برس)
+ الخط -

رغم إعلان السلطات القضائية في العراق، العام الماضي، عن إطلاق سراح جميع معتقلي التظاهرات التي اندلعت في مدن جنوب ووسط العراق، والعاصمة بغداد، أواخر عام 2019، لكن ملف "الدعاوى الكيدية" في أروقة المحاكم العراقية لم ينته، بل إن حملات التفتيش والاعتقال في مدن جنوب البلاد مستمرة، ما يخلف استياءً لدى المتظاهرين.

وكانت التظاهرات العراقية قد اندلعت في 1 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، عقب دعوات انطلقت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إثر تردي الخدمات وتفاقم نسبة البطالة، قبل أن تنفجر بشكل واسع في بغداد ومدن جنوب ووسط العراق.

وشهدت التظاهرات، أو ما يعرف محلياً بـ"ثورة تشرين"، عمليات عنف غير مسبوقة، لا سيما بعدما دخلت جماعات مسلحة، وُصفت بـ"الطرف الثالث"، على خط قتل وقمع واختطاف المحتجين والناشطين.

وأدت أعمال العنف إلى مقتل نحو 800 متظاهر، وإصابة أكثر من 27 ألفاً واختطاف العشرات، في وقت لم تُحاسَب فيه أي جهة متورطة باستهداف المتظاهرين.

وخلال الأسبوعين الماضيين، شهدت مدينة البصرة حملة أمنية واسعة طاولت منازل ناشطين، تم في أعقابها اعتقال عدد منهم، فيما تسببت بفزع أسرهم، وسط اتهامات لمحامين للمحاكم بعدم التعاون مع الأدلة التي تثبت عدم مصداقية الدعاوى الكيدية، وبكونها ذات دوافع سياسية للنيل من المحتجين.

وكانت التهم الموجهة للناشطين والمتظاهرين خلال فترة الاحتجاجات مرتبطة بالتعدي على أملاك الدولة أو الاشتباك مع القوات الأمنية برمي الحجارة وإيقاع إصابات في صفوف عناصر الأمن، إضافة إلى حرق المقرات الحزبية، وأخرى تابعة للفصائل المسلحة، والتجاوز على رموز دينية وسياسية بالهتافات وعبر منشورات في مواقع التواصل الاجتماعي.

وقال ناشط بارز من البصرة، متهم بقطع شارعٍ يؤدي إلى حقل نفطي وحرق مقر حزبي، إن "خمسة متظاهرين وناشطين تم اعتقالهم خلال الأسبوع الماضي، بتهم كيدية، منها حرق مقار حزبية وتعطيل الدوام الرسمي، وأعمال تخريب جرت خلال فترة اشتداد التظاهرات الشعبية قبل عامين"، مبيناً لـ"العربي الجديد"، شريطة عدم ذكر اسمه، أن "المعتقلين تعرضوا للضرب والإهانة والشتم خلال عملية اعتقالهم".

وأضاف أن "التهم الكيدية باتت كابوساً يلاحق الناشطين، فهم بلا عمل حالياً في أكثر من مدينة عراقية، تلاحقهم المليشيات والقوات الأمنية، ولا تُقبل دفوعاتهم القانونية في المحاكم"، مؤكداً أن "كثيراً منهم صدرت بحقه أحكام بالسجن لفترات تبدأ من ثلاثة أشهر وإلى غاية 7 سنوات". واعتبر أن ذلك "لا يهدف سوى إلى توريط الناشطين في أفعال لم يقترفوها، والإساءة إلى انتفاضة تشرين بأي شكل من الأشكال".

من جهته، أكد المتظاهر محمود قيس المالكي، من محافظة البصرة، والذي يقيم حالياً في إقليم كردستان العراق شمالي البلاد، إن "دعوى كيدية تقدم بها أحد المسؤولين في حزب الدعوة في المدينة ضده، وتتضمن اتهامات لا تحتوي أي جانب حقيقي، منها أعمال تخريب في ناحية الهارثة (شمال شرق محافظة البصرة)".

وأضاف المالكي: "حتى إن التاريخ المكتوب في الدعوى بشأن أفعال تخريب يزعم المتقدم بالدعوى أنني قمت بها غير صحيح، لأنني في التاريخ المذكور كنت في بغداد، أشارك في تظاهرات بغداد".

ولفت إلى أن "أكثر من 80 بالمائة من الدعاوى والاتهامات الموجهة لناشطي البصرة هي كيدية، وتقدمت بها فصائل مسلحة وأحزاب موالية لإيران، كانت تقف بالضد من الناشطين والمتظاهرين، وبالتالي فإنه من المفترض أن يتحقق القضاء من صحة الادعاءات"، مبيناً أن "معظم الناشطين غادروا البصرة بسبب الدعاوى الكيدية، وهم يعيشون ظروفاً صعبة في إقليم كردستان".

من جانبه، بيَّن المحامي من محافظة النجف جنوبي العراق، حسين الشيخ، أن "الدعاوى الكيدية ضد المتظاهرين باتت تسبب مشكلة حقيقية للشباب الناشطين، لأنهم باتوا مقيدين ومبعدين قسراً عن مناطقهم، ولا يستطيعون الاندماج في المحافظات التي يستقرون فيها حالياً".

وأشار إلى أنه "رغم أن معظم الدعاوى لا تتوفر فيها عناصر الدفوع عن المتقدم بالدعاوى، وتغيب عنها الدلائل، لكن المحاكم العراقية تتعامل معها على أنها الحقيقة، وللأسف فقد صدرت أحكام غيابية ضد المحتجين".

وأكمل الشيخ، في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، أن "المحاكم تتعامل مع المحامين عن الناشطين المتهمين بالتهم الكيدية على أنهم ناشطون أيضاً، وهناك مضايقات مستمرة للدفاع عن الناشطين والمتظاهرين من قبل أفراد في أحزاب وفصائل مسلحة"، مشيراً إلى أن "الحل في إنهاء هذه الأزمة هو أن يكون هناك ضغط على الحكومة ومجلس القضاء الأعلى كي يتم اتخاذ قرار بإسقاط أي دعاوى ضد الناشطين، عدا الجنائية".

أما عضو حركة "امتداد" المدنية محمد الخفاجي، فقد أكد أن "واحداً من أهم الملفات التي ينوي تحالف "من أجل الشعب" (يضم امتداد وحراك الجيل الجديد)، فتحها هو الدعاوى الكيدية لإيمان قيادة التحالف بأن غالبية الدعاوى هي غير حقيقية، وتهدف للنيل من الناشطين والمتظاهرين، وإسكات الأصوات المدنية"، مستكملاً حديثه مع "العربي الجديد"، أن "المؤكد لدينا أن غالبية الدعاوى الكيدية مدفوعة سياسياً، وهي تتهم الناشطين بحرق مقرات الأحزاب والمحال التجارية، والسرقة والاحتكاك بالقوات الأمنية".

وتواصل "العربي الجديد" مع النائب المستقل هادي السلامي، وقال إن "كل الكيانات السياسية المدنية، سواءً التي شاركت بالانتخابات وفازت بمقاعد في البرلمان، أو الكيانات التي قاطعت الانتخابات تحمل مناهج سياسية وأهداف مشتركة فيما بينها، ومن أولوياتها الكشف عن قتلة المتظاهرين، إضافة إلى إنهاء ملف الدعاوى الكيدية ضد الناشطين والمتظاهرين".

وأردف السلامي أن "التهم الكيدية والملاحقة الإرهابية من بعض الجماعات المسلحة للناشطين تسببت بهجرة الكثير من الأصوات الوطنية إلى خارج العراق، وإلى إقليم كردستان، ولابد أن تقف هذه التهديدات عند حدها، وإلا فإن المتظاهرين في محافظات العراق قد يخرجون مرة جديدة إلى ساحات وميادين الاحتجاج"، مؤكداً أن "معظم الأحزاب الإسلامية والفصائل المسلحة تخشى عودة الاحتجاجات، لذلك فهي تواصل التضييق على الناشطين في حركة استباقية لأي فعل احتجاجي".

وكان رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي قد أمر، في وقتٍ سابق، بإطلاق سراح جميع معتقلي التظاهرات، مؤكدا على "حماية حق التظاهر، وعدم التسامح مع أي اعتداء يتعرض له المتظاهرون، وحرص حكومته على تحقيق تطلعاتهم المشروعة".

وجاءت تلك الخطوة تلبية لدعوة ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق، جينين بلاسخارت، التي أشارت قبل ذلك إلى وجود "حاجة ملحة إلى المساءلة والعدالة فيما يتعلق بالعديد من الوفيات والإصابات التي لحقت بالمتظاهرين الأبرياء".