إلحاح الأحزاب الجزائرية على الدعوة إلى حوار سياسي: حاجة أم مخاوف؟

إلحاح الأحزاب الجزائرية على الدعوة إلى حوار سياسي: حاجة أم مخاوف؟

16 ديسمبر 2023
دعوات حزبية مستمرة لحوار سياسي بين القوى السياسية والسلطة الجزائرية (Getty)
+ الخط -

تتوالى الدعوات السياسية من قبل القوى الحزبية في الجزائر، لفتح حوار سياسي بين القوى السياسية والسلطة، يتيح مناقشة جميع القضايا والمسائل التي تشكل انشغالا شعبيا وسياسيا وحكوميا، والقضايا ذات الصلة بالوضع الإقليمي والموقف الجزائري ضمن مجمل التطورات القائمة في المنطقة والعالم، لكن هذه الدعوات تطرح في الوقت نفسه تساؤلات جدية حول المبررات التي تدفع الأحزاب السياسية في الجزائر إلى الاستمرار في المطالبة بالحوار، رغم سلسلة استقبالات الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، لقادة الأحزاب. 

أحدث هذه الدعوات أطلقها رئيس حزب "جبهة المستقبل" عبد العزيز بلعيد، مساء أمس الجمعة، خلال مؤتمر لإطارات الحزب، قال فيه: إنه يدعو إلى "فتح حوار وطني يشمل القوى السياسية كافة في البلاد، من أجل لم الشمل وتعزيز الجبهة الداخلية والتصدي بوعي وذكاء لكل المخاطر التي تهدد الجزائر"، مشيرا إلى أن "تقوية مسار البناء الوطني، والمحافظة على استقرار البلاد، يتطلب توحيد الرؤية بين القوى السياسية الوطنية ضمن التوجه الاستراتيجي في العمل السياسي".

 قبل جبهة المستقبل، كان رئيس حركة البناء الوطني عبد القادر بن قرينة، قد أكد أمس الجمعة، خلال مؤتمر للقيادات النسوية للحركة في العالم، أن "الانتقال بالجزائر الجديدة يتطلب مزيدا من الحوار والتحالف، والجهود الوحدوية بين رئيس الجمهورية وأهم القوى الموجودة في الساحة الوطنية التي تسعى لحماية وديمومة الاستقرار في المؤسسات، وتطوير البرامج التنموية، ونقل التحالفات السياسية إلى مستوى مؤسسات مرتبطة بخريطة طريق مستقبلية يتحقق فيها خدمة الوطن، وعليه فالمطلوب منا في هذه اللحظة الحساسة أن نتحمل جميعا هذه الأعباء"، على حد وصفه.

وفي السياق نفسه، أكدت الأمينة العامة لحزب العمال اليساري، لويزة حنون، الأربعاء الماضي، أنها طالبت الرئيس عبد المجيد تبون حين التقته الاثنين الماضي، بالسماح بفتح حوار سياسي، وإرجاع الظروف العادية لممارسة السياسة في البلاد، وفتح المجال الإعلامي بدءاً بالإعلام العمومي ووسائل الإعلام الخاصة، وإرجاع شروط النقاش الحر حول كل القضايا الوطنية والدولية في هذه المرحلة المفصلية، مشيرة إلى أنها دعت الرئيس تبون إلى اتخاذ تدابير وخطوات تهدئة سياسية على مستوى الوضع الداخلي بما يتعلق بمعتقلي الرأي.

والأربعاء الماضي، حثّ رئيس حركة مجتمع السلم، عبد العالي حساني شريف، في مؤتمر سياسي عقده في ولاية وادي سوف جنوبي الجزائر، على ضرورة إقامة حوار، وتوسيع قاعدة التشاور، وإشراك الأحزاب السياسية في كبرى القضايا الوطنية، وخلال اجتماع المجلس الوطني لجبهة القوى الاشتراكية، قال السكرتير الأول للحزب يوسف أوشيش: إن "الوضع السياسي والاقتصادي في البلاد يتطلب إقامة حوار من أجل التوصل إلى أرضية مشتركة للطبقة السياسية حول القضايا ذات الأهمية والأولوية، واستعادة علاقات الثقة بين الجزائريين ومؤسساتهم، ويتحقق ذلك من خلال مقاربة الانفتاح على المجتمع، وإشراك الأحزاب، ومختلف القوى الفاعلة في الوطن في المسائل الأساسية، سواء على المستوى الدولي أو في القضايا والمسائل الوطنية التي تتطلب توافق الآراء"، محملا السلطة مسؤولية إطلاق الحوار.

في ظل ذلك، يُطرح سؤال ما إذا كان استمرار الدعوات السياسية من قبل الأحزاب لإجراء حوار سياسي بين المجتمع الحزبي من جهة، وبين الأحزاب والسلطة في الجزائر من جهة أخرى، وتوالي حديث الأحزاب عن ضرورات توسيع قاعدة التشاور في القضايا الوطنية، مرتبط بوجود فارق بين التعهدات السياسية المعلنة من قبل الرئيس تبون، وبين الواقع السياسي القائم ميدانيا، أم أنه يعكس شعورا لدى القوى السياسية بأنها تقف على هامش الأحداث وليست شريكة بالقدر اللازم في الخيارات الكبرى المنتهجة من قبل السلطة والحكومة؟ خاصة أن حزمة من القوانين الناظمة للعمل السياسي والنقابي والإعلام طرحتها الحكومة، دون أن يتاح للأحزاب فرصة إبداء مواقفها.
وعلى الرغم من أن الرئيس الجزائري يبدي قدرا لافتا من الرغبة بالحوار مع قادة الأحزاب السياسية، والانفتاح على القوى الحزبية، ويقوم باستقبالهم كلما طلب أي من قادة الأحزاب ذلك، كما أنه يؤكد خلال هذه اللقاءات دعمه مقترحات الحوار السياسي والتعبير عن الرأي بكل حرية، في ظل احترام السيادة الوطنية ووحدة البلاد، لكن الأحزاب السياسية تجد في كل مرة أن هناك حاجة ماسة إلى حوار سياسي أكيد بين السلطة والقوى الوطنية، وبالنسبة للسلطة فإن لقاءات تبون مع قادة الأحزاب السياسية هي شكل من أشكال الحوار السياسي، ومؤشر على أن تبون منفتح بشكل كبير على المواقف والآراء الأخرى.  

لكن الباحث في الشؤون السياسية حميد منصوري، يعتبر أن هذه اللقاءات على أهميتها تبقى في إطارها السياسي والبروتوكولي الذي لا يتيح طرح نقاش جماعي في وقت واحد لأبرز القضايا السياسية في الجزائر، مضيفا أن "هناك مستويين من الدعوات إلى الحوار: هناك مستوى دعوات جدية تأتي في الغالب من قوى المعارضة المؤسسة والجادة التي تعتبر أن نهج السلطة الحالي متفرد، ومن شأنه أن يعيد إنتاج النتائج نفسها التي انتهت إليها البلاد عام 2019، على الصعيد السياسي والاقتصادي، وتعتبر أن إقرار السلطة والرئيس تبون نفسه بعدم الرضا عن نتائج الحكومات، يؤكد صدق الدعوة إلى حوار وطني، وهناك دعوات أخرى تمثلها أحزاب الموالاة، والتي تقصد بالدعوة إلى الحوار، إشراكها في الحكومة والمؤسسات، وتشكيل مزيد من التحالفات المؤيدة لسياسات السلطة، على غرار المبادرة التي أطلقت قبل فترة للم الشمل".