إدارة بايدن ومحاذير التصعيد المتزامن لبوتين وترامب

19 سبتمبر 2022
إدارة بايدن أمام خيارات ستخلف تداعيات غير مسبوقة بفعل أزمتي بوتين وترامب (فرانس برس)
+ الخط -

باستثناء تغطية رحيل الملكة إليزابيث، يطغى بوتين وترامب على حديث الساعة حالياً في واشنطن. كلاهما يلوّح بتصعيد نوعي خطير يضع إدارة بايدن أمام خيارات تنطوي على تداعيات غير مسبوقة، فهي من جهة لا تقوى على عدم الرد، ومن جهة ثانية تخشى الانجرار إلى الأدهى. والتوازن بين الخيارين لا يخلو من المجازفة.

على أثر ذلك، يدور الجدل في واشنطن بين مقاربتين: واحدة تدفع باتجاه المواجهة مع الاثنين وأخرى تدعو إلى التأني والحذر، خاصة في التعامل مع موسكو في حربها الأوكرانية.

في الأيام الأخيرة، رفع الرئيس السابق دونالد ترامب من نبرة تهديداته، مع تزايد احتمال توجيه تهمة جرمية ضده وإحالته إلى المحاكمة في قضية الوثائق الرسمية السرية التي احتفظ بها خلافا للقانون بعد مغادرته البيت الأبيض، فالتحقيقات في القضية دخلت في مفصل قضائي حاسم والتقديرات القانونية ترجح كفة هذا الاحتمال.

ومع شعور ترامب بالخطر، لوّح بالشارع علّه يثني الجهات المعنية عن المضي في القضية، ففي مقابلة مع مذيع من أنصاره قال ومن دون مواربة إنه "لو جرى توجيه التهمة ضدي ستشهد البلاد الأعاجيب التي ربما لم ترها من قبل، ولا أعتقد أن الشعب الأميركي يريدها".

رسالته الموجهة إلى ملايين المحافظين لاستنفارهم، استحضرت هجوم 6 يناير 2021، خصوصا وأن خطاب العنف والمواجهة مع الدولة لم يبارح الترامبيين، منذ ذلك التاريخ. وبذلك فالإدارة أمام وضع محتقن ولا تستخف بجديته ولا بـ"مونة" ترامب على شارعه المسلح لتلبية ندائه إذا ما اختار ذلك.

لكن ورغم ذلك، تؤكد الإدارة تمسكها بمتابعة القضية "إلى حيث يقودها القانون"، تساندها في ذلك وتشجعها مراجع قانونية وإعلامية وسياسية سابقة وحالية تشدد على ضرورة محاسبة ترامب لأن "لا أحد فوق القانون" في الولايات المتحدة.

ومع انتظار تبلور الصورة القضائية تحبس واشنطن أنفاسها، إذ ينذر الوضع بأزمة متوقعة غداة الانتخابات النصفية بعد 50 يوماً، من مقدماتها أن 12 مرشحا جمهوريا لمقاعد في مجلس الشيوخ وحاكمية الولايات، "رفضوا الالتزام مسبقا بنتائج الانتخابات لو جاءت لحساب الخصم الديمقراطي" حسب استجواب أجرته معهم صحيفة "واشنطن بوست".

ويعد موقف المرشحين ذات الموقف الذي اتخذه ترامب في انتخابات 2020 والذي أدى إلى أزمة اجتياح الكابيتول، كما إلى امتناع عدد كبير من الجمهوريين في الكونغرس وفي حكومات بعض الولايات، عن الاعتراف بشرعية رئاسة بايدن حتى الآن، وبذلك فإن مشروع المواجهة قائم.

على الصعيد الخارجي، تواجه إدارة بايدن أيضاً وبالتزامن خطراً آخر أكبر وأعتى، الانقلاب الميداني ولو الجزئي في حرب أوكرانيا لصالح هذه الأخيرة، الذي أثار من الارتياح في واشنطن بقدر ما وضعها أمام قرارات قد تكون مكلفة وربما كارثية.

وسبق وأن طلبت كييف من إدارة بايدن صواريخ دقيقة يصل مداها إلى 185 ميلاً، ما يمكنها من ضرب خطوط الإمدادات العسكرية الروسية داخل روسيا. الإنجاز الذي حققته أخيرا "بفعل الأسلحة الأميركية" من المفترض أن يعزز تلبية طلبها. الصقور يدفعون في هذا الاتجاه، لكن الإدارة لا تبدو متجاوبة.

وأكد جون كيربي منسق مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض يوم الأحد في مقابلة معه من لندن، على "مواصلة " المساعدات العسكرية لأوكرانيا. أي في حدودها الراهنة. أما رئيس هيئة الأركان الجنرال مارك ميلي فاكتفى بالقول إن وزارة الدفاع "تزود عادة الرئيس بتقديراتها الإيجابية والسلبية لتسليم الأسلحة الجديدة إلى الآخرين وتترك القرار له"، فيما يتحفظ الرئيس في أحسن الأحوال لخشيته من تداعيات التصعيد، خصوصا وأن موسكو تعتبر هذا السلاح "خطا أحمر".

ودعا الجنرال ميلي إلى أخذ هذا التحذير الروسي "على محمل الجد"، في إشارة إلى استبعاد تسليح أوكرانيا بهذه الصواريخ الآن لكن مع ترك ورقتها على الطاولة. أنصار الحسم يدفعون في الاتجاه المعاكس من زاوية أن اللحظة الراهنة متاحة لتدفيع بوتين ثمن الغزو.

لكن التخوف في واشنطن بأن يلجأ بوتين بعد نكسته العسكرية المحرجة إلى ترجمة تلويحاته باستخدام أسلحة كيميائية أو نووية تكتيكية في أوكرانيا، كرد على هزيمة لن يتقبلها. بايدن رد في مقابلة مسجلة مخاطبا بوتين بما معناه " حذار" الإقدام على ذلك. لكن تحذيرات بايدن لم تمنع بوتين من اجتياح أوكرانيا. والخشية أنها قد لا تمنعه الآن من تصعيد فاصل يضع الجميع في مأزق كبير.

تطور ملفت حصل يمكن أن يخفف من هذه المخاوف، عندما أعرب الرئيس الصيني شي جين بينغ في قمة شنغهاي بأوزبكستان، عن عدم ارتياحه لحرب أوكرانيا وأبدى بوتين تفهمه "لقلق" حليفه. لكن واشنطن تطالب بكين بأكثر من ذلك وبإعلان اعتراضها على الحرب.

آخر الضغوط في هذا الاتجاه كانت في عودة بايدن في مقابلته وللمرة الثانية، إلى التلويح بالقوة "للدفاع عن تايوان" لو تعرضت لغزو صيني. البيت الأبيض سارع إلى التصحيح بتجديد التأكيد على "عدم حصول تغيير" في سياسة الإدارة تجاه الصين. موقف من شأنه زيادة التوتر مع الصين في لحظة دقيقة تعاني فيها إدارة بايدن من صداع الثنائي بوتين ترامب معاً.