إدارة بايدن والحرب الروسية على أوكرانيا: نقاط كثيرة بملعب موسكو

إدارة بايدن والحرب الروسية على أوكرانيا: نقاط كثيرة بملعب موسكو

24 اغسطس 2022
حذّر البيت الأبيض كييف مراراً من أنّ الروس يستعدون للغزو (Getty)
+ الخط -

بعد مرور 6 أشهر على الغزو الروسي لأوكرانيا، لا مجال للحديث عند تقييم الحرب وتداعياتها ونتائجها على روسيا وأوروبا والعالم وعلى الولايات المتحدة، عن "تمنيات" محور أو آخر من المحورين المتنافسين، الغرب من جهة، وعلى رأسه الولايات المتحدة، وروسيا، وحلفائها من جهة أخرى.

فمجرد مرور 6 أشهر على الغزو الروسي، ووصوله مع تاريخ اليوم إلى حالة من الجمود العسكري على معظم المحاور، رغم توسيع موسكو للمناطق التي احتلتها منذ استيلائها على جزيرة القرم في 2014، هو بحدّ ذاته انتصار لـ"الحلفاء"، ولإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، إذا ما كانت إستراتيجيتها استنزاف روسيا وإطالة أمد الصراع. لكن التداعيات بالنسبة لواشنطن، سواء السلبية والإيجابية، والتي هي كما يبدو في حالة تقييم مستمر، لا تزال نسبية ومتفاوتة، بحسب تقييمات "المنظرّين".

في هذه الأثناء، تتسارع الدعوات، لاسيما من مراكز الأبحاث الأميركية ذات التأثير الواسع، للإدارة الديمقراطية، من أجل وضع استراتيجية طويلة الأمد للحرب، وأهداف بعيدة أكثر قابلية للتحقيق. على أن يتجاوز ذلك، برأيها، قضايا استنزاف الروس، أو صمود كييف وعدم تحولها إلى "دولة فاشلة"، وقدرتها على الذهاب يوماً ما إلى طاولة المفاوضات بأوراق قوة كثيرة في مواجهة موسكو.

وحتى ذلك الحين، تدرك الولايات المتحدة أنها تمكنت بعد 6 أشهر من الغزو، من تسجيل نقطة أساسية في المرمى الروسي، والرئيس فلاديمير بوتين تحديداً. وكان بوتين أكد في أكثر من مناسبة، ومنذ ما قبل الحرب بوقت ليس بقصير، على "تفوق" روسيا العسكري في أكثر من مجال، حيث التنافس مع أميركا على أشده، واستعرضت بلاده قبل الاجتياح، الصواريخ الروسية الفرط صوتية. ولذلك، قد تكون الولايات المتحدة نفسها، فوجئت بمدى بطء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، والخسائر الكبيرة التي لا يزال يمنى بها الجيش الروسي على أرض المعركة، وعدم قدرته حتى الآن على التقدم إلى الوسط والغرب الأوكراني، أو تهديد كييف.

نجاحات أميركية أساسية في استنزاف روسيا، بعد 6 أشهر، وجرّها إلى حرب يرجح الجميع أن تكون طويلة

وجاء ذلك على الرغم من المعلومات، وآخرها ما كشفته صحيفة "واشنطن بوست" حصرياً تحت عنوان "الطريق إلى الحرب"، من أن إدارة بايدن عانت منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، في إقناع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والزعماء الأوروبيين، بأن موسكو تستعد أو على وشك الغزو، بعدما أكدت لها المعلومات الاستخبارية، وصور الأقمار الاصطناعية، التحضيرات والتحشيدات التي تقوم بها روسيا على حدودها الجنوبية.

ولا يمنع ذلك، الحديث عن نجاحات أميركية أساسية في استنزاف روسيا، بعد 6 أشهر، وجرّها إلى حرب يرجح الجميع أن تكون طويلة، وهو بحدّ ذاته إخفاق لدولة عظمى، وإنجاز لإدارة بايدن، يرى متابعون أن عليها أن تستثمره بنحو أفضل. ومن ذلك، التحلّل من البيروقراطية في واشنطن، لمدّ كييف بالسلاح التكتيكي اللازم، وبناء استراتيجية تراعي خصوصاً بشكل أكبر الرأي العام العالمي، والأميركي، الذي على ساسة واشنطن مصارحته بوضوح حول أهداف الحرب، والأسباب التي تجعلها تطول، والتي تجبره على مواجهة أسوأ موجة تضخم منذ عقود.

وتنتظر الحرب الروسية على أوكرانيا، بعد مرور 6 أشهر عليها، أيضاً فصل الشتاء، حيث ستتعزّز حالة الجمود على الأرض، وحيث ستبدو الحرب أكثر وكأنها فُرضت على حلفاء واشنطن الأوروبيين، الذين يدفعون ربما تكلفتها الأكثر إيلاماً. ويكفي لشرح ذلك التوقف عند حالة الذعر التي تدبّ لدى الأوروبيين بشأن التفكك من الاعتماد على الغاز الروسي، والانكماش الاقتصادي الذي تعيشه القارة، من دون أن تتمكن واشنطن حتى الآن، من وضع أي خطة بديلة شاملة موضع التنفيذ.

وفيما تتقدم الحرب، أكدت الولايات المتحدة، مجدداً، لحلفائها أيضاً في الشرق الأوسط، الذين زارهم بايدن في يوليو/تموز الماضي، انسحابها أكثر فأكثر من المنطقة. وليس فشل بايدن في إقناع دول الخليج بزيادة ضخّ النفط، ناجماً عن قضايا "ثانوية" بين الطرفين، أو "عتب" آني، إذ إن أياً من المشاكل العالقة في المنطقة، ومنها أزمة اليمن التي ترغب الرياض بإنهائها، لم يجد لها حلفاء واشنطن آذاناً صاغية لدى الأميركيين. من جهتهم، أثبت هؤلاء مرة أخرى، لحلفائهم، سواء في أوروبا أو الشرق الأوسط، أن اهتمامهم موجّه إلى مكان آخر، مع تصاعد أو "تصعيد" مدروس في مضيق تايوان، ومع الصين.

وليس التقارب الروسي – الصيني المتزايد، أو التهديد الذي يسود العالم من نزاع نووي، ما تشتهيه واشنطن من محاصرة موسكو، حيث يرى متابعون أن العقوبات القاسية المفروضة على الروس، و"العزلة" التي يعيشها نظام بوتين حالياً، والحصار "الأطلسي" لروسيا الذي يزداد بعد الغزو، مع انضمام دول جديدة إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، هي نجاحات قصيرة الأمد للإدارة الأميركية، ينبغي البناء عليها لصياغة استراتيجية أطول عمراً، وتحديد أهداف أكثر "واقعية" لمحاصرة الروس.

دعوات لإدارة بايدن لوضع استراتيجية طويلة الأمد للحرب

ومن هذه الأهداف، على الأرض، انتقال الأوكرانيين من حالة الدفاع إلى الهجوم، حيث يجري الحديث حالياً عن التحضير لاستعادة مناطق احتلها الروس، واستعداد أكبر لدى الأوروبيين للانخراط في مساعدة الأوكرانيين عسكرياً. وكان قائد أركان الجيش الفرنسي، تييري بورخار، قد حذّر أمام البرلمان الفرنسي، في 13 يوليو الماضي، من حرب "استنزاف" طويلة في أوكرانيا، فيما اعتبر برونو ترتريه، المدير المساعد في مركز البحث الاستراتيجي في باريس، قبل أشهر، أن الحرب ستكون "حرب تموقعات أكثر من كونها حرب تحركات، حيث ستكون أسلحة بعينها أكثر فائدة من أسلحة أخرى".

وحول ذلك، فشلت واشنطن حتى اللحظة، في إقناع حلفائها الأوروبيين، بمدّ كييف بأسلحة أكثر نوعية، حيث يقدّم الأوروبيون، وتحديداً من أوروبا الشرقية، إلى الجيش الأوكراني أسلحة بمعظمها قديمة. وإذا ما تحولت الحرب، في الشتاء وفي 2023، إلى مستنقع للروس، فإن ذلك لن يكون أيضاً بلا تداعيات سياسية في القارة العجوز، إذا ما قرّر الناخبون معاقبة الساسة، لتعود وتتحرك عصبيات اليمين المتطرف، وهي تغييرات قد تترك أثراً طويل الأمد في صناديق الاقتراع.

ويدخل الغزو الروسي لأوكرانيا، اليوم الأربعاء، شهره السابع، في ظلّ غياب صانعي نظريات كبار في الولايات المتحدة للعلاقة مع روسيا، كما كان عليه الحال خلال أيام الحرب الباردة، حيث تتعاطى واشنطن اليوم مع هذا الاستحقاق، بـ"القطعة". وحذّر جون ميرشيمير، في مجلة "فورين أفيرز"، أخيراً، في مقال بعنوان "اللعب في النار في أوكرانيا"، من سيناريوهات عدة للتصعيد، وانعكاساتها على الولايات المتحدة وحلفائها. ومنها هذه السيناريوهات، التصعيد النووي، أو أن ترى الولايات المتحدة نفسها منساقة للدخول في الحرب، مع حدوث "حدث غير متوقع"، يؤدي إلى "الانزلاق".

المساهمون