أوكرانيا: اختبار التصعيد الروسي

06 ابريل 2021
أجرت روسيا مناورات عسكرية على الحدود الشهر الماضي (سيرغي مالغافكو/Getty)
+ الخط -

تتبادل روسيا وكلّ من الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة، منذ أكثر من أسبوع، التحذيرات والتحذيرات المضادة، مع إبداء الغرب مزيداً من القلق حيال التحركات العسكرية الروسية على حدود البلاد الشرقية مع أوكرانيا، فيما تؤكد موسكو أن هذه التحركات غير هجومية، بل تصب في خانة الأمن القومي. من جهتها، يبدو أن كييف تضاعف من جهودها، لزيادة التقارب مع الغرب و"الناتو"، رداً على ما ترى فيه تحشيداً روسياً، وتصعيداً بدأ يترجم بتراجع الوضع الأمني شرق أوكرانيا، حيث قتل أربعة جنود أوكرانيين وجرح آخران، في 26 مارس/آذار الماضي، في معارك مع الانفصاليين الموالين لروسيا في منطقة دونيتسك. ويعد الملف الأوكراني اختباراً مهماً للإدارة الأميركية الجديدة، في إطار احتواء التهديد الروسي، ومواجهة "استفزازات" موسكو، وقد تكون موسكو في صدد زيادة الضغط لمعرفة المدى الذي قد تسلكه واشنطن في هذا المجال، فيما يواصل الاتحاد الأوروبي إبداء الدعم "الثابت" لكييف.
وبعد تحذير روسيا من أن أي تصعيد لـ"الناتو" قد يدمر أوكرانيا، أعاد الكرملين، أمس الإثنين، التأكيد أن التحركات العسكرية الروسية على الحدود مع أوكرانيا، لا تشكل أي خطر لهذا البلد أو لأي طرف آخر، وأن روسيا تقوم بحركات نقل لجنودها داخل البلاد "بالطريقة التي تراها ملائمة". وقال المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيكسوف، إن بلاده تبحث دائماً عن أمنها، وذلك رداً على اتهام أوكرانيا الأسبوع الماضي، روسيا بحشد قوّاتها على حدودها الشماليّة والشرقيّة، وكذلك في شبه جزيرة القرم التي ضمّتها في 2014، كما أبدى "الناتو" قلقه من "التعزيزات" الروسية قرب شرق أوكرانيا.

تصل زيادة عديد القوات الروسية على الحدود مع أوكرانيا  إلى 4 آلاف

وجاء تصريح الكرملين أمس، غداة مباحثات هاتفية أجراها وزير خارجية أوكرانيا، دميترو كوليبا، مع وزير خارجيّة الاتّحاد الأوروبي جوزيب بوريل، أول من أمس الأحد، حيث أكد الأخير دعم الاتحاد "الثابت" لأوكرانيا، معرباً عن قلقه حيال التحركات الروسية الأخيرة. وكتب بوريل على "تويتر": "نتابع بقلق شديد النشاط العسكري الروسي" عند حدود أوكرانيا، مؤكداً "دعم الاتّحاد الأوروبي الثابت لسيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها"، وموضحاً أنه سيجتمع مع كوليبا ووزراء خارجية دول الاتّحاد الأوروبي الـ27 في وقت لاحق خلال شهر إبريل/نيسان الحالي. من جهته، أوضح كوليبا أن نظيره الأوروبي وجه له دعوة لحضور اجتماع وزراء خارجية الاتحاد، المزمع عقده في 19 إبريل.

وكانت ألمانيا وفرنسا اللتان تؤدّيان وساطة لنزع فتيل التوتّر بين روسيا وأوكرانيا، قد وجهتا دعوة السبت الماضي إلى "ضبط النفس" و"وقف التصعيد الفوري" بين البلدين، معربتين عن "قلقهما حيال العدد المتزايد لانتهاكات وقف إطلاق النار". وجاء في بيان مشترك صادر عن وزارتَي خارجية البلدين، أن ألمانيا وفرنسا تُجددان تأكيدهما "دعم سيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها"، وتُعبران عن "قلقهما جرّاء العدد المتزايد لانتهاكات وقف إطلاق النار بعدما استقر الوضع في شرق أوكرانيا منذ يوليو/تموز 2020". ودعت برلين وباريس "الأطراف إلى ضبط النفس والمضي قدمًا في وقف فوري للتصعيد"، مشيرتين إلى أنهما تُتابعان الوضع "بحذر شديد، ولا سيما تحرّكات القوات الروسية". وفي وقت سابق، وعد الرئيس الأميركي جو بايدن كييف بدعم "ثابت" في مواجهة "عدوان" روسيا.
وفي ما يشبه الرد على إعلان الجيش الروسي يوم الجمعة الماضي عن مناورات عسكرية تهدف إلى محاكاة الدفاع ضدّ هجوم بطائرة مسيّرة في منطقة قرب أوكرانيا، أكد مسؤولون في وزارة الدفاع الأوكرانية السبت، أن بلادهم وبريطانيا ستجريان مناورات مشتركة (مناورات "كوساك مايس") خلال الصيف المقبل، تضم قوات من "الناتو"، بحدود ألف عنصر. وأوضح المسؤولون أن التدريبات المرتقبة "ستختبر التحركات الدفاعية، تليها عملية هجوم، لإعادة ضبط الحدود ووحدة الأراضي للدولة التي تعرضت لعدوان من إحدى الدول الجارة المعادية"، فيما وضعتها بريطانيا في خانة "المناورات الروتينية".

ستجري أوكرانيا وبريطانيا مناورات مشتركة الصيف المقبل، تضم قوات من "الناتو" بحدود ألف عنصر

من الجهة الأميركية، وفيما يسود يقين بأن روسيا غير معنية على الإطلاق بـ"سلام دائم" وحقيقي مع أوكرانيا، إلا أن انقساماً يسود داخل الأوساط السياسية، حول المدى الذي من الممكن أن تسلكه موسكو في التصعيد الأخير، والذي بدأ في 26 مارس/آذار الماضي بإطلاق النار على "خط الجبهة" في دونيتسك واستمر يوماً كاملاً. وبحسب "نيويورك تايمز"، فإن بعض المسؤولين الأميركيين يعتقدون أن روسيا منخرطة على الأرجح في عملية "تخويف"، وهي غير متعطشة لتجديد هجومها. لكن آخرين يبدون قلقاً أكبر، معتبرين أن نوايا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين غير واضحة، وأن أي عملية لـ"اختبار" الرئيس الأميركي الجديد، بإمكانها أن تذهب سريعاً نحو التصعيد. هذا الأمر دفع بقائد المنطقة الأوروبية في القوات الأميركية، الجنرال تود والترز، إلى رفع مستوى مراقبة القوات الأميركية، الأسبوع الماضي، للمرة الثانية خلال أيام معدودة، بعدما لم تستجب القوات الروسية للانسحاب من منطقة الحدود مع أوكرانيا. وكان خبراء استراتيجيون قد توقعوا انسحاب القوات الروسية من المنطقة (على بعد 30 ميلاً من الحدود مع أوكرانيا) بعد اختتام تدريبات عسكرية في 23 مارس الماضي. وتصل تقديرات أميركية لعدد الجنود الإضافيين الذين أرسلوا أخيراً إلى المنطقة، إلى 4 آلاف جندي. ورأى الجنرال فريديرك هودجز، مدير مركز تحليل السياسات الأوروبية، أن روسيا غير معنية بالتهدئة، وهي تريد إبقاء أوكرانيا منطقة غير مستقرة بالقدر المستطاع.
(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز)

المساهمون