أوروبا في دوامة أكاذيب "حل الدولتين"

أوروبا في دوامة أكاذيب "حل الدولتين"

26 يناير 2024
طرح كاتس أمام الأوروبيين فكرة تهجير الفلسطينيين (دورسون أيديمير/الأناضول)
+ الخط -

لعل البعض في دولة الاحتلال الإسرائيلي يصل قبل الأوروبيين إلى "قناعة" بضرورة مواجهة الحقيقة عن استحالة ديمومة الاحتلال. فأمام الأوروبيين أنفسهم تُسوق أفكار جرائم الإبادة، وبينها فكرة تهجير الفلسطينيين إلى "جزيرة اصطناعية"، كما طرح وزير خارجية الاحتلال يسرائيل كاتس.

وحاجة الغرب، المتواطئ لعقود مع جرائم الاحتلال، إلى مواجهة الحقيقة تستدعي التوقف عن السير في دوامة التكاذب عن "حل الدولتين" و"العملية السلمية". ففي كنفه وصل الأمر إلى حد ذهاب الصهيونية - الدينية إلى مستوى غير مسبوق منذ الزمن الفاشي في التبجح العلني بمباركة جرائم الإبادة.

مفوض السياسات الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل قال، أخيراً، إن ساسة تل أبيب "يزرعون بذور الكراهية لأجيال قادمة". لكنه في الوقت نفسه يتجنب الاعتراف بأن قارته العجوز، المفترض أنها جارة لمئات ملايين العرب، تخطئ حين تشيح بوجهها، أقله منذ "اتفاق أوسلو" في 1993، عن المشاريع المستهدفة تهويد القدس وضم الأرض المحتلة، ونقل مئات آلاف متطرفي الاستيطان إليها، بالضد من كل القوانين والمواثيق الدولية عن مسؤوليات الاحتلال.

معالم تجاوز قضية فلسطين كانت واضحة قبل 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، في اختيار تشجيع التطبيع و"صفقة القرن" كبدائل لتطبيق الحقوق الوطنية. ونقل سفارة واشنطن إلى القدس ليست بعيدة عن ذلك التشجيع. هذا إلى جانب تردد أوروبي في الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وبقاء الدعم السياسي والعسكري للاحتلال، ما يضع أوروبا على حافة المساهمة في جرائم حرب، وفقاً لخبراء فيها. ذلك إلى جانب مؤشرات قائمة طويلة من استهداف العمل التضامني مع فلسطين، ومحاولات تجريم الدعوات إلى مقاطعة دولة الأبرتهايد بحجج واهية عن "معاداة السامية".

وتلك السياسات تساهم في تعزيز التطرف الصهيوني - الديني، من ناحية، وتزايد النظر إلى سياسات القارة الجارة باعتبارها نفاقاً، في الناحية المقابلة، وهو ما كشفته مواقف بعضها من حرب الاحتلال على غزة.

والربط بين مواقف أوروبا وأميركا بسياسات النفاق في فلسطين، والمنطقة العربية عموماً، لا يقوم على أيديولوجيا، أو أفكار دينية، بل على وقائع عدم مواجهة جرائم الحرب المتكررة، ومنها جعل حياة الفلسطينيين مستحيلة على أرض وطنهم، لأجل تطبيق مخططات الترانسفير، وتحت سقف ما يشبه "أوامر" صهيونية للدول الأخرى، قائمة على أن أوروبا ستظل تخدم دولتهم، وتعاملها كمقدس يُمنع المس به.

إذاً، ليست وحدها الصهيونية هي التي بذرت "الكراهية"، بل تلك السياسات الأوروبية والغربية عموماً، في نفاقها المتواصل لعقود. وبدون الإقلاع عنه ستستمر القارة الجارة في السير بدوامة الأكاذيب.

فاستهداف أوروبا وأميركا لشخصيات وأنشطة فلسطينية لم تقابله مواجهة أمثال إيتمار بن غفير، وكل جماعات الإرهاب الاستيطاني في القدس والضفة الغربية، وهو الذي يوزع البنادق الغربية على المستوطنين أمام أنظار السفراء والمبعوثين.

بمعنى آخر، فإن السياسات الأوروبية، الملحقة بواشنطن، تساهم منذ عقود في خلق شعارات جميلة المظهر عن حقوق الشعب الفلسطيني وحقه في "دولة مستقلة"، دون ممارسة ثقلها وترجمة قيمها ومبادئها. فظلت تسوق الخداع الذاتي، بينما واصلت الصهيونية مشاريعها، التي وصلت إلى مستوى يشبه ما كان في دولة الأبرتهايد السابقة في جنوب أفريقيا.

ففلسطين كآخر قضية استعمارية لا تُواجه بإعادة تجريب المجرب عن "العملية السياسية"، منذ تبنى الأوروبيون في العام 1980 الحديث عن حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم ودولة مستقلة.

فبدون إظهار إرادة ومخالب، كما تظهرها مع غير دولة الاحتلال الإسرائيلي، لفرض عقوبات ومقاطعة، وإجبارها على التقيد بالقوانين الدولية، ستظل دولة الاحتلال تجر الغرب معها نحو ما يشبه حالة صدام مع الرأي العام العربي. وسيظل سؤال "الكراهية" (رغم أنه ليس السؤال الحاسم والجوهري في قياس قضية شعب مُحتل) قائماً ومتفاقماً، إذا لم يذهب الغرب نحو مواجهة أسبابه، ومعالجتها بعمق.