لبنان وتركيا: هنا النفط

لبنان وتركيا: هنا النفط

07 سبتمبر 2019
+ الخط -
الخلاف بين لبنان وتركيا، على خلفية خطاب الرئيس اللبناني ميشال عون حول "إرهاب الدولة" العثمانية، في الذكرى الـ99 لولادة لبنان الكبير نهاية الشهر الماضي (أغسطس/ آب)، لا يتعلق بالنظرة إلى التاريخ تحديداً، بقدر ما يعني الخلاف حول المستقبل النفطي في شرق المتوسط. فقد زار وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو بيروت، الأسبوع الماضي، والتقى عون ومسؤولين لبنانيين آخرين. وكان الغرض الأساسي من الزيارة "إنشاء منطقة آمنة" للاجئين السوريين في الشمال السوري، وهو بند اتفقت عليه أنقرة وبيروت. أما البند الثاني فمتعلق بالتنقيب عن النفط، وهنا حدث الافتراق. 
تم الإعلان، في يناير/ كانون الثاني الماضي، عن ولادة "منتدى غاز شرق المتوسط"، والذي يضمّ تحالفاً مكوّناً من مصر والأردن واليونان وإيطاليا وقبرص والفلسطينيين والإسرائيليين، غرضه تأمين بيع الغاز من الشرق المتوسطي إلى الجنوب الأوروبي. ظلّ لبنان وسورية وتركيا خارج الاتفاق. بالنسبة إلى سورية، ملفها النفطي مرتبط بإرادة روسية. أما تركيا، فعلى الرغم من اتفاقها مع الروس على "السيل الجنوبي" الذي ينبع من روسيا ويعبر البحر الأسود ثم تركيا متجهاً إلى أوروبا، إلا أنها بدأت التنقيب في المياه الإقليمية القبرصية، أي في المجال الجغرافي لـ"جمهورية شمال قبرص" التي تعترف بها تركيا فقط. دفع هذا الوضع الأوروبيين إلى تحذير الأتراك من مغبة الاستمرار بالتنقيب.
من الطبيعي أن تركيا، في هذا الإطار، سعت إلى تمتين جبهة نفطية موازية لـ"منتدى غاز شرق المتوسط"، لكن اللبنانيين في المبدأ لن يتفقوا مع الأتراك نفطياً، لأن المجال الجغرافي مع تركيا أصعب مما هو مع قبرص مثلاً، في ظلّ المفاوضات المتقدّمة بين بيروت ونيقوسيا، والمفترض أن تصل إلى خواتيمها الإيجابية قريباً، بتوقيع اتفاقٍ ينصّ على نقل الغاز اللبناني إلى قبرص، ومن ثم توريده إلى أوروبا، ضمن أنبوب "المنتدى"، من دون التعاطي مع الإسرائيليين. وضع يمنح لبنان ورقة إضافية أمام الأميركيين المشرفين على ملف ترسيم الحدود بين اللبنانيين والإسرائيليين، خصوصاً البحرية منها، فالصراع مع الإسرائيلي في شأن البلوك رقم 9 في البحري الجنوبي بات يهدّد التنقيب اللبناني الكامل عن النفط في البحر. والشهر الحالي سيكون حاسماً في ملف ترسيم الحدود.
يبدو من خلال هذا الوضع أن لبنان اختار، بموافقة أركان السلطة جميعها، الخيار الأميركي نفطياً لأسبابٍ موضوعية، واستبعاد التعاون مع الأتراك في هذا الصدد. وطبعاً يحتاج هذا الأمر إلى إشكال سياسي يكرّس هذا الخلاف، وهو ما يحصل حالياً، مع انكباب المؤرخين والمثقفين على شرح إيجابيات العهد العثماني وسلبياته، فضلاً عن التعاطي الطائفي اللبناني مع الملف: غالبية مسلمة مع تركيا وغالبية مسيحية ضدها، في ترسيخٍ لغياب الجواب عن سؤال "أي لبنان نريد؟". مع العلم أن تركيا بالذات، خصوصاً مع مصطفى كمال أتاتورك، انتقلت إلى مرحلة جديدة في تاريخها بعد الحرب العالمية الأولى (1914 ـ 1918)، وهي مرحلةٌ سار عليها جميع حكام تركيا اللاحقون. ومع العلم أيضاً أن لبنان انتقل إلى مرحلة جديدة بعد الحرب عينها، مع تشكيله وفقاً لاعتبارات دولية، أيّ ضمّ مناطق عدة إلى جبل لبنان وتأسيس "لبنان الكبير".
الأهم في هذا كله هو المستقبل. تركيا مثلاً باتت على مشارف تحوّلات سياسية، سواء بعودة "الشعب الجمهوري" إلى الواجهة في الانتخابات البلدية في الربيع الماضي، أو في توسّع دائرة الانقسامات والانشقاقات داخل حزب العدالة والتنمية (الحاكم) في أنقرة. في المقابل، فإن بيروت أمام استحقاقات مالية ضخمة، يتعلق بها مصيرا الليرة اللبنانية والتركيبة السياسية. وسيجعل هذا المستقبل من النقاش الحالي مجرّد حديث توقف في عام 1920 بالنسبة لتركيا، ولن يقدّم جديداً للبنان، سوى في إبرازه الخلاف الطائفي في أي بحثٍ لمؤتمر تأسيسي جديد.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".