أيّ عيد في اليمن؟

09 يونيو 2019
+ الخط -
في اليمن؛ لا أهلاً ولا سهلاً بك أيها العيد، لا أهلاً ولا سهلاً بيوم آتٍ، ولا أسفاً على يوم ماضٍ، لا أهلاً بعيد يُشرق شمسه؛ وابن بدر الدين لم يزل حيّاً يقتات سعادتنا، ولا سهلاً بيوم وصاحب الفخامة بعيدٌ عنّا، وإن كان جمال عز الدين بلسانه قد هنّأنا.
لا مرحباً بعيدٍ، سواءٌ كان اليوم أو غداً، بل تباً لعبدٍ أراد لنا الصيام وقد رئي الهلال، وتباً لعبدٍ أراد لنا الإفطار، ولم يأمنا من بطش الأشرار. تباً للجميع، وليت دوننا ودونهم المفاوز والقفار، بل ليتهم جميعهم خلف البحار مكبّلون بالأصفاد.
أيّ زمنٍ بئيس نحن فيه؟ أهلونا وأحبابنا في مدينة تعز قد أفطروا، وصلّوا عيدهم، بينما نحن هنا في ضاحيتها صائمون، صائمون ليس قياماً بواجب، أو احتساباً لأجر، إنما خوفاً وتقيّة من أناس لا يراعون فينا مودّة ولا قربى، وليس بيننا وبين مدينتا تعز من مسافة سوى بضعة أمتار، ووالله لو أطلّ أحدهم من شرفة منزله، ونظر ناحية الشمس لأبصرنا.
أيها العيد، بأيّ وجه ستقبل؟ وبماذا ستعود؟ وقد كان يُقال عنك أنك سعيد، حتى يمننا يا عيد، لُقِب مثلك باليمن السعيد، وذاك كلّه في الماضي التليد. أما الآن فلا، لم يترك المجرمون في بلدتنا شيئاً نُسرّ به ونَسعد، كُلّ داعٍ للحزن حلّت ذكراه بمقدمك يا عيد، ترى من سيخطب هذا العيد فينا؟ وأرباب المنابر إلى المقابر قد غادرونا وذهبوا، تركونا دون وداع، ولقد أتاهم الموت من فوهة طيران التحالف العربيّ الذي هبّ لنجدتنا، من نجا منهم، لم ينجُ من قذائف الباغي وقيوده.
حقاً بأي حالٍ ستعود أيها العيد؟! بما مضى من جوع وحصار، وتشريد واقتتال، أم بعواصفَ شابت لحقدها رؤوس الصغار؟
بالله عليك أيا عيدَ فطرٍ، تمهل! رجاءً لا تأتِ، أو مر إن شئت من طريق آخر، لسنا قادرين على تطهير صيامنا من أعمال اقترفناها ونحن صائمون، ناهيك عن عدم مقدرتنا على دفع زكاة أبداننا. أما الأموال فلم نعد نملكها، لسنا متفرغين أيضاً أن نفرح بعيد أقبل علينا كهذا فجأة. لدينا هموم وأحزان لن تسعها الجبال، لهذا لن نحتفل ولن نفرح بعبادة صومٍ أو حجٍ، أو حتى بمناسبة وطنيّة كانت، حتى نحتفل بتحرير أرضنا من مليشيا الإجرام والانقلاب، وأيضاً تحرير سمائنا من متسكعات أبوظبي والرياض.
حلَّ علينا هذا العيد، كما حل ّعلى أبي الطيّب المتنبي، ولقد أتاه وهو في الصحراء، فارّاً بروحه من بطش حاكم مصر آنذاك.
أيا أبا الطيب، جميعنا اليوم في اليمن تائهون، كما كنت بالضبط، فكلانا يبحث عن مجد وسيادة، ناهيك عن رئيسنا هادي، وقد نزل منذ زمن سحيق في ضيافة الملك سلمان طالباً نصرته وعونه، وإلى اليوم لم يرجع. لا شك بأن هادي في هذه الليلة يحسّ بنفس المشاعر التي داهمت المتنبي في ليلة هربه من كافور، ولو باستطاعته أن يقول شعراً، لقال: إني نزلت بكذابين ضيفهم/ عن القرى وعن الترحال محدود/ جود الرجال من الأيدي وجودهم/ من اللسان فلا كانوا ولا جادوا.
F2E81741-44C7-4C09-B092-A9F65F1958CA
F2E81741-44C7-4C09-B092-A9F65F1958CA
موفق السلمي
كاتب وأديب وناشط إعلامي من اليمن (تعز).
موفق السلمي