اللقاء الأخير

07 ابريل 2019
+ الخط -
يمشي من دون قصد، يتصنع الجَلَد ممسكا بأحلامه. تراءى له ساكنا، خارت قواه، توقف، جثا على ركبتيه، بردت كما بردت أحلامه، سحب كل همومه، تنهد، رمى كل ما حوى صدره، هاج البحر واشتدت أمواجه، تأفف ثم رماها إليه، ما لي ولهذا الحمل؟ أنا مجرد بحر لست من بني البشر، فقصص الغدر لا تستهويني.

برزخ العمر
سقط عمره سهوا، ولما همّ لالتقاطه، احدودب ظهره، آثر الجلوس على ضفافه، انتظر السبات وقال في نفسه، متفوّها بالحكمة: "برد فراق الأحبة لا يُسخنه جمر المواقد". قد يكون الغد أهنأ، فحنين التراب إلى التراب يزيد، وشوقه إلى العيش بين الموت والعيش حديث آخر. من زمن آخر، استوى ماضيه بمستقبله، حتى أصبح الحاضر مجرد سراب أو خيال يقتبس من الماضي ومضات فرح يختزنها لما بعد السفر. سبق له أن نعِم بين الأحياء، ولكنه يطمع أن يحظى بالنعيم بين الأموات، فربما قد يليق به الموت، فيكون لقاء آخر مع حبيب من زمن ليس كهذا الزمن. برزخ ليس كبرزخ العمر، يلتقي فيه بحبيبة سافرت من سنين دون عودة.

سهى العمر
قلت: ارتويت. قالوا: ماء البحر قد سُقيت. كيف ارتويت؟ قلت: شربته عذبا صفيا، وما وعيت، ولما انتبهت، الملح الأجاج رأيت، بالبياض ناصعا فاكتويت. لكن العمر سهى، فسهيت، ثملت وما دريت. قد مضى الشباب وقبله أنا مضيت.
استيقظنا من سبات الأحلام بعدما جّن الليل بظلامه وظلمه، فلا طريق الحق مشينا ولا عرفنا المسالك إلى متاع الدنيا، فلما ازداد ظلام الظلم، انتبهنا إلى أحدهم ينادي بأعلى صوته: ظلم الرعية للحاكم قد تجاوز كل الحدود وآن للحاكم أن يقتص منهم، فدعاء المظلوم مستجاب، حتى وإن كان ظلمكم بقلوبكم. فرفع البعض أياديهم إلى السماء، اللهم بدلنا قلوبا غير قلوبنا.

جفاء كالموت
ما زال قلبي باردا عاريا لا غطاء عليه، كأنّ لا بشر بجانبه، حتى نيران المواقد التي تمتلئ بها غرف المنزل لا أجد لي منها دفئا. تستمر هذه الحالة دون أن أجد بصيص أمل في العلاج، أعلم السبب، دون القدرة على إزاحته، فأنا مجرد بشر لا حيلة لي في أن ألجم الموت أو أنفث التراب عن الأحياء. موت الأحباب وجفاؤهم جعل القلب باردا برودة القطبين، فأي موقد يزيح ثلج فؤاد أنهكه البعد، لن تدفئه حتى معانقة الشمس، لكن عناقك ربما كان سيفعل المستحيل، فحرارة القرب والوصال لا تقاس بالدرجة، لكن تقيسها القلوب ودًّا.

طفل فقير
أمام طاولة خباز في مدينة أكلها البؤس، أدخل يده في جيبه وتلمس جوانبه، لم يجد قطعة النقود التي وضعها، وجد مكانها ثقبا بحجمها تماما، وقبل الدفع كان قد نهش رغيف الخبز من شدة الجوع فسبقت دمعته فاه إلى التذرع، فقد كانت نظرة الخباز توحي بشناعة العقاب.
2197739D-7EB2-422A-A2BF-B32EB901B9C0
2197739D-7EB2-422A-A2BF-B32EB901B9C0
الأطرش بن قابل (الجزائر)
الأطرش بن قابل (الجزائر)