دولة الرجل المريض

26 مارس 2019
+ الخط -
دولة الرجل المريض لا هي ميتة فتبحث عن حياة جديدة، ولا هي في عافية فتشق طريقها في الحياة. هي دولة يُراد لها أن تظل تحت السيطرة، طافية على سطح الماء، لا هي غارقة ولا هي مبحرة. وهذا الوصف (دولة الرجل المريض)، شاع على ألسنة الغرب تجاه الدولة العثمانية في أواخر عهدها. وأرى أن له معنى مقصوداً ما زال حاضراً في صراع الغرب ضد أي محاولةٍ لنهوض دولة عربية أو إسلامية أو غيرها. وبالغوص في نموذج نهايات الدولة العثمانية الذي سمّاه الغرب "دولة الرجل المريض"، نتوقف عند عقدة علاقة الغرب بتركيا. 
تركيا تاريخياً جزء من أوروبا وتاريخها وحضارتها، فالقسطنطينية (إسطنبول) هي إحدى العواصم الثلاث الكبرى في جوار روما وأثينا، عاصمة شكلت تاريخ أوروبا وحضارتها. وعلى الرغم من تحول القسطنطينية إلى بيزنطيا ثم إسطنبول، وعلى الرغم من وصول الإمبراطورية العثمانية إلى قلب أوروبا وحصار فيينا مرتين، ظلت أوروبا تنظر إلى تركيا العثمانية بصفتها بوابة الأمان لأوروبا الغربية، وحاميتها من الخطر القادم من روسيا، إذ خاضت روسيا 13 حرباً ضد الدولة العثمانية خلال 300 عام. ولذلك، ورغم ما بين الغرب وتركيا من مشكلات، وبعد تآمر بريطانيا وفرنسا ضد الدولة العثمانية وهجومهما المشترك على الأسطول العثماني والمصري عام 1827 في معركة نوارين على الساحل الغربي لشبه جزيرة بيلوبونيز، اضطرت بريطانيا وفرنسا مجتمعتين إلى إرسال أساطيلهما لحماية القسطنطينية من الغزو الروسي عام 1829، فالمسألة تتعلق بتوازنات تحكمها مصالح الطرف الأقوى، وهي ذات السياسة التي يمارسها الغرب ضد الدول المستسلمة لسيطرتهم.
دائماً يسعون إلى ذلك الوضع المفضل، أي "دولة الرجل المريض"، بغض النظر عن المرض، هل هو عضوي أم عقلي أم نفسي، فالمهم أن تبقى تحت السيطرة، وتظل الدولة: دولة الرجل المريض.
C89F4B84-7610-4788-B355-1A7EBEB820CB
C89F4B84-7610-4788-B355-1A7EBEB820CB
محمود صقر
كاتب مصري.
محمود صقر