قضية موسى الصدر بعينٍ روسية

02 فبراير 2019
+ الخط -
هل تعمل روسيا فعلاً على "إعادة آل قذافي" إلى السلطة في ليبيا؟ كل المؤشرات تدلّ على ذلك. يسهم الخلاف الفرنسي ـ الإيطالي في تعميق هوّة الخلاف الأوروبي في ليبيا، سواء في مسألة المهاجرين أو النفط. في الحالتين، يفسح الفرنسيون والإيطاليون المجال لثغرة، يمكن لروسيا المرور عبرها. وللدلالة على ارتباط موسكو بالقذافي، يكفي ما أعلنه نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، الثلاثاء الماضي، حين قال إن "روسيا تتواصل مع الأطراف اللبنانية من أجل إنهاء حبس هنيبعل القذافي"، نجل الزعيم الليبي الراحل، معمر القذافي. وقال بوغدانوف، لوكالة "سبوتنيك" الروسية، في القاهرة: "نعرف أنه في سجن لبناني، ولكنه من دون حكم قضائي. برأيي الخاص هذا غير طبيعي، خصوصاً أنه خُطف من سورية، وهذا أمر قبيح، لذلك وجوده في السجن غير منطقي، ونرغب بوقف هذه المعاناة". وأكد أن "روسيا تتواصل مع الأطراف اللبنانية من ممثلي الأحزاب السياسية والطوائف بهذا الشأن"، موضحاً: "لكن القرار بيد اللبنانيين". 
خُطف هنيبعل القذافي من سورية إلى لبنان في عام 2015، وتمّ تحويله إلى القضاء اللبناني، لاستنطاقه في شأن قضية خطف الإمام موسى الصدر والشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين، في ليبيا عام 1978، وامتناع حكم القذافي عن تأكيد مصيرهم. يصر هنيبعل أنه لا يعرف شيئاً عن هذه القضية. هذا بحثٌ آخر. تريد روسيا تمهيد الطريق لسيف الإسلام القذافي للعودة إلى طرابلس لاعتبارات عدة، منها عدم قدرة قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر على التحكّم بكل المفاصل الليبية ميدانياً، ومنها أن حكومة الوفاق في طرابلس لم تتمكّن من فرض سطوتها على العاصمة حتى، فكيف في جوارها والهلال النفطي؟
في الحسابات الروسية أيضاً أن الإمساك بالملف النفطي في ليبيا أساسي في صراع الأنابيب، خصوصاً بعد الاتفاق بين الإسرائيليين والسلطة الفلسطينية والأردن ومصر وقبرص واليونان وإيطاليا على المشاركة في أنبوب غازٍ، يبدأ من سواحل فلسطين المحتلة ويصل إلى جنوب أوروبا. تريد روسيا فرض نفوذها في وسط شمال أفريقيا، بما يسمح لها بتطويق كامل المياه الدافئة التي كانت مجرد حلم قديم لها، قبل عام 1971، حين تمّ توقيع اتفاقية مع سورية، تسمح بولوج البحرية الروسية البحر الأبيض المتوسط.
في الحسابات، أيضاً، أن الضغط على أوروبا، تحديداً في ملفات كأوكرانيا والغاز الصخري المستورد من الولايات المتحدة، يكمن في مدى قدرة روسيا على التوسّع بحراً في المتوسط، من الشرق إلى جنوبه. وجزء من بوابة هذا العبور، يكمن في إطلاق سراح هنيبعل القذافي في لبنان، للانضمام إلى شقيقه في ليبيا. ومن الطبيعي أن هذا الأمر سيُمهّد، عبر تسوية ما، بين اللبنانيين والليبيين بعيداً عن منطق الفعل وردّ الفعل الذي تجلّى في إنزال العلم الليبي ووضع علم حركة أمل التي أسسها الصدر، قبل انعقاد القمة العربية الاقتصادية والتنموية في بيروت الشهر الماضي، وفي اقتحام شبان ليبيين السفارة اللبنانية في طرابلس. وقد يكون جزء من الحل قد بوشر العمل عليه، حين طالب أحمد المسماري، المتحدث الرسمي باسم قوات حفتر، الجانب اللبناني بـ"ردّ الاعتبار عن حادث إنزال العلم الليبي في قمة بيروت، ورفع راية حركة أمل مكانه". وقال "نحن مستاؤون جداً لما حدث في بيروت، ولكن نتوقع أن الإخوة في لبنان، خصوصاً المهتمين بقضية موت الإمام موسى الصدر، يدركون أن القضية ليست قضيتهم فقط، بل هي قضية حتى الليبيين، فالليبيون كانوا يعانون في السابق من معمّر القذافي".
فتح المسماري الباب أمام "حتمية وفاة الصدر" مدخلاً إلى تسويةٍ تتيح إطلاق سراح هنيبعل القذافي من جهة، والسماح لروسيا بالمضيّ في مشروعها بإعادة سيف الإسلام القذافي إلى السلطة من جهة أخرى. أما قضية موسى الصدر فبلغت نهاياتها.
دلالات
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".