خيار إيران في العراق ولبنان

خيار إيران في العراق ولبنان

29 نوفمبر 2019
+ الخط -
لا يوفر أنصار إيران في لبنان والعراق وسيلةً من أجل إجهاض الحراك الشعبي الذي دخل شهره الثاني في البلدين. وتختلف الأدوات في الساحتين، ففي حين أن الدم يسيل كل يوم في ساحات العراق، لا يزال الشارع اللبناني بعيدا عن الرصاص والبارود، مع أن الموقف وصل إلى درجة عالية جدا من الاحتقان، عكستها، منذ بداية الأسبوع الحالي، تصرفات حزب الله وحركة أمل، والتي اتسمت بالعنف في الساحات، بغرض ترهيب المتظاهرين. والملاحظ في كل من العراق ولبنان أنه كلما قطعت الانتفاضة شوطا على طريق تثبيت شعاراتها السلمية والديمقراطية، ارتفع منسوب القمع المسلط عليها، الأمر الذي يُنذر بتداعياتٍ غير محسوبة في المدى القريب، ويمكن أن يقود إلى انفجار واسع، وخصوصا في لبنان، حيث بدأ حزب الله وحركة أمل التهديد باستخدام السلاح من أجل فض الاعتصامات السلمية، وصدر عن الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، كلام مباشر ربط فيه بين ما يحصل وأجواء الحرب الأهلية. 
يعبر خيار اللجوء إلى السلاح في العراق لقمع المتظاهرين السلميين، منذ اليوم الأول للحراك الشعبي، عن موقف إيراني صريح من الانتفاضة الشعبية التي رفعت شعارات ضد الطائفية والفساد والاستبداد. ولا يخفى على أحد أن المراكز المعنية هي التي حكمت العراق بعد الاحتلال الأميركي عام 2003، وهي في أغلبها من صناعة إيران، وعلى وجه التحديد، عهد رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي (2006 - 2014) الذي اتسم بالتصرّف غير المسؤول بثروات العراق، وهناك تقارير منشورة تحمل اتهامات للمالكي، وبعض مسؤولي حكمه، بسرقة عشرات مليارات الدولارات. ويعود السبب في رفض فتح ملفات الفترة الماضية إلى تدخل إيران المباشر، والتي لا تتوخّى من ذلك حماية الفاسدين واللصوص فقط، وإنما عدم الكشف عن تورّطها في نهب ثروات هذا البلد الذي بات مستباحا من المليشيات الطائفية التي تسيرها، وتحدّد إيران خياراتها، وقد استخدمتها على مدى سنوات الثورة السورية لقتل السوريين الذين ثاروا ضد نظام بشار الأسد المدعوم من طهران.
وحسب الظاهر حتى الآن، يبدو أن المرحلة المقبلة سوف تشهد تصعيدا في وتيرة العنف من أنصار إيران، في محاولة لإنهاء الحراك في كل من العراق ولبنان وإفراغه من محتواه، ولكن الشارع في البلدين تجاوز حالتي الخوف والعودة إلى نقطة الصفر. وقد تتمكّن قوى الثورة المضادة من توجيه ضربات للانتفاضتين، ولكنها لن تستطيع إعادة عجلة التغيير نحو الوراء. وصار على إيران أن تدرك أولا، أن القتل والتهجير لا يقدمان نتيجة، ولا يمكن أن يثنيا الناس عن الاستمرار في دروب الحرية. والأمر الثاني أن الظرف الراهن يختلف كليا عن ذلك الذي ساد عشية الثورة السورية التي تولت طهران شأن مواجهتها بالقمع، وكانت النتيجة تدمير أكثر من نصف سورية، وتهجير القسم الأكبر من أهلها. ولم تنجح إيران في تثبيت نظام الأسد، بل إنه بات منبوذا لا أحد يتعامل معه سوى طهران وموسكو، في حين أن الشعب السوري لا يزال على طريق الحرية.
أهم ما هو ملحوظ في الانتفاضتين، اللبنانية والعراقية، إدراك المخاطر والاستعداد لدفع الثمن من أجل الوصول إلى الهدف، ويبدو غير قابل للنقاش أن استمرار سقوط الضحايا في العراق لن يوقف زخم الحراك، كما أن الشارع اللبناني مستوعبٌ تماما ما ينتظر البلد من مصاعب اقتصادية وسياسية كبيرة، ولكنه مصممٌ على الوصول إلى هدف الحرية. والأهم من هذا كله هو الإصرار على الخلاص من الكابوس الايراني الذي خيم على المنطقة العربية منذ انتصار الثورة الاسلامية قبل أربعة عقود.
1260BCD6-2D38-492A-AE27-67D63C5FC081
بشير البكر
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد