أحبّك يا سعدي ...

04 أكتوبر 2019
+ الخط -
المُنادى المُحبّ، في العنوان أعلاه، هو رئيس حكومة لبنان، سعد الدين رفيق الحريري. وقد يُظَن أن فائضا من الوجْد والهُيام يستبدّ بفؤاد المعشوقة، وهي تخاطب محبوبَها بأنه "سَعْدْها"، في رسالةٍ إليه، شخصيةٍ جدا، بالبريد الإلكتروني، تنطق مفرداتُها الموجزةُ هذه بأنها حارّة. ولكنّ الحال ليس هذا إطلاقا، لأن عارضة الأزياء الداخلية، الجنوب أفريقية البيضاء، الجميلة غير الفاتنة بحسب عيني صديقنا ساطع نور الدين، إنما كانت تُرفِق عبارةَ الحب المشبوب تلك ببيانات حسابها البنكي في بلدها، ليُرسل إليها الشيخ سعد هديّته، 15 مليون دولار، قبل أن يرسل مليونا مضافا. كان هذا قبل ستّ سنوات، لمّا كانت كانديس فان دير مروي، العارضة المتحدّث عنها، في العشرين. انكتبَ أن شيئا عن هذا الحدث نُشر سابقا، غير أنها "نيويورك تايمز" أشهرت، أخيرا، تفاصيلَه موضَحةً بوثائق، في تقريرٍ تقصّى سجالاتٍ قضائيةً خيضت في كيب تاون، لمّا اشتبهت السلطات هناك بالمبلغ، المهول والمفاجئ في حساب الحسناء المغمورة (هذا وصفُها في الصحافة)، فطالبتْها بضرائب عنه، ما جعلها تُثبت أنه مهدىً من "ثري عربي"، ولمّا تدحرجت القصة في تفاصيل أخرى، منها مساعدة الفتاة والدَها في أزمةٍ مالية، وصف البنك المعني العلاقة بين صاحبة الهدية ومُهديها بأنها "غرامية". 
تُراها كانت العلاقة كذلك؟ لا يوحي تقرير الصحافي بن هوبارد بذلك. إنما يأتي على أربعة أيام قضتها كانديس في منتجعٍ للأثرياء في سيشل، تعرّفت في غضونها على سعد الدين الحريري، ثم أحبّته (بحسب رسالتها الإلكترونية!)، ثم أهداها المبلغ إيّاه. والظاهر أن غرورا ما استبدّ بهذه الشابة، طالما أنها محظيةٌ في سيشل، وفي وسعها أن تُحرز 16 مليون دولار، بعد غوايتها رجلا في منزلة رئيس حكومةٍ سابق ولاحق، وزعيمٍ سياسي في بلده (مستبعدٌ أنها كانت على بيّنةٍ بأمرِه هذا، قبل أن يعرّفها به بعض الخبثاء). دلّ على غرورِها أنها، سنواتٍ بعد أن نجت من الاقتطاع الضريبي، قاضت، قبل شهور، حكومة بلادِها، وطالبتها بنحو 65 مليون دولار، تعويضا عن "انتهاك حقوقها وتشويه سمعتها"، فأتاح تداول الصحافة في بلدها في قضيتها هذه أن تلتقط القصةَ كلها "نيويورك تايمز"، الصحيفة التي بمنزلة حذامِ، المرأة العربية في الجاهلية، إذا قالت فصدّقوها، ثم عرفنا ما عرفنا، وضَربَنا الذهول من فداحة سخاء الحريري على عشرينيّةٍ يعلم الله ما جال في خاطرِها وهي تكذب عليه بأنه سعدُها وحبيبُها. ويحتاج واحدُنا إلى أرطالٍ من الفراسة، ليحزَرَ المقابل الذي أُعطيه صاحبُنا من هذه المراهِقة، ثم يُكرمها بملايين الدولارات تلك، سيما وأنها ظلّت تقول للمحاكم إن الهدية بلا شروط، وليخمّن أيضا أيَّ حالٍ كان عليه نجل رفيق الحريري، وهو يُرسل هذا المال.
لم يُستهدَف سعد الحريري بنشرٍ عن علاقاتٍ غراميةٍ أقامها، وفضائح جنسيةٍ ونسائيةٍ تورّط فيها، وحتى قصة الـ 16 مليون دولار هذه تخلو، إلى حدٍّ ما، مما يمكن تشنيعُه عليه أخلاقيا. وحدَها فداحة المبلغ، لعارضة بكّيني، هي القصة المنقوصة الإثارة. ما يجعلها قصةً ليست مثلا في سويّة دراما سوزان تميم، المغنية اللبنانية التي دفع رجل الأعمال المصري، طلعت هشام مصطفى، لزوجها مليون دولار ليطلّقها، ثم أهداها شقةً في دبي بمليون دولار، ومن كثيرٍ أغدقه عليها حزامٌ من الذهب والماس، وذلك كله قبل أن يكلّف ضابط أمن مصريا سابقا بقتلها، استأجره بمليوني دولار. وأيام ذاعت تفاصيل تلك الجريمة، قال الروائي المصري الراحل، محمد البساطي، إنها حكايةٌ تحتاج دوستويفسكي ليكتبَها. ليس شيءٌ من هذا في حدّوتة سعد الحريري، فلا تستدعي دوستويفسكي ولا غيره. وليس فيها المسلّيات في فضائح الإيطالي سلفيو بيرلسكوني الذي برّأته محكمةٌ من ممارسة الرذيلة مع قاصر مغربية، قالت إنها تلقت منه سبعة آلاف يورو في حفلة راقصة (مبلغ لا يستحق الاكتراث به). ليس في فعلة الشيخ سعد قيلٌ وقالٌ كالذي خاضت الصحافة فيه، بشأن علاقة دونالد ترامب بممثلةٍ إباحية، قالت إنه دفع لها 130 ألف دولار..
الحادث في مسألة الحريري المستجدّة أشدُّ رداءةً، هو حال الحريري نفسِه عندما يخسر مكانته وجماعته وناسه وموظفيه، وذلك كله فيما لبنان على الحال الذي نعرف. وفي الأثناء، نقرأ رسالة "أحبّك يا سعدي.."، فلا ندري ما نفعل، نزعل من الرجل أم عليه.
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.