كيف أصبحنا لا نشبه أنفسنا؟

10 اغسطس 2018
+ الخط -
تمنعت إسرائيل كثيرا في قبول تمثيل وفد فلسطيني ضمن وفد الأردن في مؤتمر مدريد لمفازضات السلام في العام1991. فعلت ذلك، وهي راغبة ضمن سيناريو محكم لجر منظمة التحرير الفلسطينية إلى مفاوضات سرية من تحت الطاولة، ما دامت منظمة أبو عمار تتخوف من سحب الوفد الفلسطيني المكون من فلسطينيي الداخل التمثيل منها.
وكان لإسرائيل ما أرادت، واكتشف الوفد الفلسطيني إلى مدريد برئاسة حيدر عبد الشافي أنه كان مجرّد جسر لجر ياسر عرفات إلى المفاوضات السرية في أوسلو، والتي أودت بالقضية إلى مهاوي الردى، بعد أن باع نحو 80% من الوطن، واعترف بالكيان الصهيوني، من دون أن يعترف العدو حتى بحق شعبنا فيما تبقى من الوطن، حيث وافقت قيادة المنظمة، بكل بلاهة وسذاجة، على إبقاء ما تبقى من الوطن محل تقاسم وتفاوض مع الاحتلال.
لم يعد أحد يفهم ثعلب الثورة الفلسطينية المعاصرة، هل خشي أن يسحب وفد فلسطينيي الداخل الذي ترأسه عبد الشافي التمثيل من منظمة التحرير، ولم يخطر في باله مخطط الاحتلال في تقزيم القضية الفلسطينية وحشرها في حل مشكلات فلسطينيي الأرض المحتلة وعزلها عن بعدها الكامل، قضية شعب مهجّر في المنافي والشتات، شعب يريد العودة إلى دياره التي هجر منها؟
ثم رأينا جميعا كيف سقط الثائر الماكر ياسر عرفات في الفخ الصهيوني الأميركي، وقبل بسلطة حكم ذاتي تحت الاحتلال في غزة وأريحا أولا، ثم امتدت إلى بعض مدن الضفة من دون البعض الآخر، ضمن التصنيف الصهيوني لتفتيت المفتت، حيث صنفت الضفة على صغرها إلى مناطق ألف وباء وجيم.
وبات فلسطينيو الخارج بلا أب، وضاع أمل الفلسطينيين في المخيمات، وباتوا تحت رحمة مخططات التذويب والتوطين، واقتصر الحلم الفلسطيني على دويلة منزوعة السلاح، تحت جناح دولة اسرائيل. وعلى الرغم من ذلك، فإنها لم ولن تتحقق.
ما أشبه اليوم بالباحة، فها هو الاحتلال يسعى اليوم إلى هدنة مع أكبر حركة مقاومة فلسطينية (حركة حماس) بعد حصار 12 سنة تخللها استنزاف حتى العظم، من خلال ثلاث حروب مدمرة، وها هي الأمور توشك على النضوج، بعد أن حشر العدو المشكلة في حل القضايا الإنسانية لسكان قطاع غزة فقط، فيما تبقى الضفة والقدس نهبا لمخططات التهويد والابتلاع والضم في ظل سلطة وظيفية، التنسيق الأمني لديها أقدس المقدسات لأنه ببساطة ضمان بقائها.
فلسطين والحالة هذه ستصبح على النحو التالي:
- الضفة المحتلة تحت حكم السلطة التي يقودها محمود عباس ظاهريا، لكنها في الحقيقة تحت معول القضم والابتلاع الصهيوني، وصولا إلى تحولها إلى بلديات للأقلية الفلسطينية، بعد أن يصبح المستوطنون هم الأغلبية.
- قطاع غزة تحت حكم حركة حماس، وتحت رحمة المشاريع والمساعدات الدولية، ورهن رضى الجار المصري الذي ستبقى منافذ القطاع بيده.
- القدس لا أب لها، فامتدادها في الضفة مقموع بسلطة التنسيق الأمني المقدّس، وامتدادها في غزة مكبل باتفاق التهدئة أو الهدنة.
- مخيمات اللجوء والشتات في دول الطوق تحت رحمة التذويب والتوطين، فيما بقية الشعب الفلسطيني في دول العالم يُبقي على الارتباط الروحي المعنوي في وطن كان اسمه فلسطين، قبل أن يحوله الاحتلال إلى مجرّد جزر تعادي بعضها.
لطالما أقنعنا مدمنو الشعارات كيف أن منظمة التحرير هي الوطن المعنوي للشعب الفلسطيني، ويبدو أن العدو حوّل فلسطين بالفعل إلى مجرد كيان معنوي، سنبقى نراه فقط على الخريطة، ربما قبل أن تنجح إسرائيل بشطبها من خرائط العالم.
وسيبقى يقرأ عنها أحفادنا في قصص الأساطير، تماما كما يقرأون عن دول، مثل تشيكوسلوفاكيا ويوغسلافيا.
الضمانة الوحيدة لعدم تحقق هذا الكابوس وجود كيان فلسطيني جامع، مثل منظمة التحرير. لكن منظمة التحرير في حالتها هذه باتت غير صالحة للعب هذا الدور، فقد سيطر عليها محمود عباس بالكامل، وسفه قوانينها وبات الآمر الناهي، حتى في تحديد مهام أعضاء اللجنة التنفيذية نفسها.
المطلوب أن تجتمع مؤتمرات فلسطينيي الخارج للوحدة في مؤتمر تمثيلي واحد للكل الفلسطيني في الداخل والخارج، يعمل على انتخاب لجنة تنفيذية جديدة، لتمارس دورها في حفظ الثوابت الفلسطينية، أمام المحافل الدولية، وفي الذاكرة الجمعية للأجيال القادمة، وتعمل على إعادة القضية إلى وضعها الطبيعي، عبر المطالبة بحق العودة لأكثر من ستة ملايين فلسطيني إلى مدنهم وقراهم وبيوتهم التي هجروا منها.
9197D8CA-12AD-4FAB-B5E0-F801DF74A0B9
9197D8CA-12AD-4FAB-B5E0-F801DF74A0B9
عماد عفانة (فلسطين)
عماد عفانة (فلسطين)