من القراءة الفاحصة إلى المشاهدة التافهة

08 يوليو 2018
+ الخط -
تناول أيّة ظاهرة اجتماعية أو سياسية أو نفسية أو غيرها يستهدف تحليلها والإحاطة بجوانب القوة والضعف والإفادة والضرر فيها. والحال أن المجتمعات العربية تعيش ظواهر كثيرة لم تنل من أقلام المفكرين والمحللين القدر الكافي من الاهتمام، تحليلا ونقدا وطرحا للبدائل الممكنة.
ومن الظواهر الجديرة بالتناول والدراسة والتحليل، ظاهرة الانصراف عن القراءة في مجتمعات تدين بخير دين دعا إليها، وإلى إجلال العلم والعلماء. النسب الخاصة بالقراءة لعقود هي نسب مخجلة، حين يتعلق الأمر بالمجتعات العربية، مقارنة بالدول المتقدمة التي ما تزال تولي القراءة أهمية قصوى.
حولتنا الوسائل التكنولوجية الحديثة المتطورة إلى مستهلكين ما تبثه من أمور الإلهاء، فصرنا قابعين في الرتب الدنيا من المساهمة في الاختراع والفكر ودراسة الماضي والحاضر لتوقعات علمية عن المستقبل، إذ صار الكل منغمسا في محموله، يقلب الفيديوهات والصور، وأكثرها عن أخبار الفضائح، تاركين المجالات الفكرية والعلمية وغيرها مما يمكن أن يساعدهم في المساهمة في تغيير الأوضاع نحو الأفضل.
في المدارس، صارت الهواتف تنافس الكتب، بل تحجب قيمتها، وتجعل الإقبال على هذا الأخير ينظر إليه نظرة احتقار، وكأنه دليل تخلف وانحطاط، متناسين أن هذا الكتاب من الوسائل المعتمدة في التفكير والاختراع لكل ما توصل إليه الإنسان من اختراعات وابتكارات قديما وحديثا.
صارت الحواسيب والهواتف والشاشات الصغيرة والكبيرة بديلا عن الواقع الحقيقي، الواقع الذي يتطلب لمن يريد أن يصلحه، القراءة والتحليل والنقد والتمحيص، ولن يتم ذلك باللهو والتمادي في التجاهل والمتع الزائفة التي لن تغيّر من الأحوال أي شيء، فمتى نميّز بين أدوات مؤصلة للثقافة، تقتضي الصبر والمدارسة، وبين أدوات لا نعرف استخدامها لصالحنا، بل نستخدمها كي نزداد همجية وابتعادا عن سلم الرقي الاجتماعي والأخلاقي والعلمي.
صرنا نشاهد ونتسلى، نميل إلى ما يلهينا ويقتل أوقاتنا في أوهام لا تغير ولا تزيد من ثقافتنا أي شيء، وصرنا نشاهد ولا نقرأ، نتواصل بالمكرر بدل البحث عن الجديد. أما غيرنا فما يزال متشبثا بالقراءة والعلم بتطوراته وآفاقه، ما جعله السيد المنتج لنبقى عبيده المستهلكين المستسلمين لغثه وسمينه.
لحسن ملواني
لحسن ملواني
لحسن ملواني
كاتب مغربي. يعبّر عن نفسه بالقول "الإبداع حياة".
لحسن ملواني