بين الشعب والقيادة

16 يوليو 2018
+ الخط -
دخلنا القرن الواحد والعشرين ونحن نعيش مرحلة العبودية الفكرية، وكأننا نعيش في القرون الوسطى، أو في أدغال أفريقيا، إذ لا زالت حالة الانطواء الفكري تسود أطباع التفكير المجتمعي، بحثاً عن مجتمع سليم فكرياً، وغير مشوّه الأفكار، ولا يتبع في أنماط تفكيره الطرق التقليدية والقديمة. ولا زالت أمامنا، نحن الفلسطينيين، فرصة للتخلّص من التبعية الفكرية لتلك الأحزاب التي أوصلتنا إلى مرحلة غاية في التعقيد.
اقترب الكاتب الفلسطيني، توفيق أبو شومر، والذي يقيم في قطاع غزة، من أحد باعة الكتب على أطراف الطريق، ليجد كتابة "مختارات من مختاراتي"، معروضاً للبيع بما يُعادل رُبع دولار فقط. توقف أبو شومر أمام المشهد والذهول يُصيبه، لأنه لم يتوقع أن يرى ذلك في حياته، إذ كيف وصل الكتاب إلى هذا المكان المُغبر؟ مكانه الحقيقي في المكتبات الجامعية والمكتبات العامة. لقد وصلت الثقافة والقراءة في مجتمعنا الفلسطيني إلى حالة التردّي وعدم البحث عن الكتاب!
لا زلنا نعيش في زمن الانقسام، على الرغم من أنّ ما يُجمعنا، نحن الفلسطينيين، أكثر مما يفرقنا، ولكن السياسة والمال والتبعية للمحاور الإقليمية غلبت الاهتمام بالوطنية ومفردات الوطن الجريح. لذا لا بد من تفعيل دور المثقفين والكُتاب وقادة الرأي العام في المجتمع الفلسطيني لقول كلمتهم، وفرض رؤيتهم الوطنية، بعيداً عن الأجندة السياسية، وما يُرافق ذلك من تقوية الجبهة الداخلية من خلال زرع الوازع الوطني لدى المواطنين الذين فقدوا الثقة في قدرة الفصائل الفلسطينية المتناحرة على وضع أسس حل للقضية الفلسطينية، وتمادي الصراع فيما بينهم، وفقاً لأجنداتهم المختلفة، والتي تجتمع على مصالحها الشخصية، وتتفرق على مفاهيم التضحية والفداء للوطن.
لا تحتاج صناعة الأمل في المجتمع الفلسطيني سوى النهوض بالواقع الثقافي، وتعزيز دوافع القراءة والتعلّم الجيد، وفقاً لاحتياجات المجتمع، وليس وفقاً لاحتياجات الجامعات والمعاهد التي تتبارى فيما بينها على استقطاب أكبر عدد ممكن من الطلبة للدراسة على مقاعدها، من دون النظر لحاجة المجتمع من تلك التخصّصات المتكاثرة والمتشابهة بين الجامعات الفلسطينية.
انتهى عهد الخرافات والخزعبلات النسوية التي اعتادت دوماً أن تُحدثنا أن الخير يأتينا من براز الطير، وأن سكب فنجان القهوة كله خير، وأن الفصائل الفلسطينية وحدها حامية المشروع الوطني، طالما أنها لا تستجيب لمطالب الشعب، ولا تُلبي احتياجاته الأساسية فلا فائدة منها.
هناك فُروق متعدّدة بين الشعب وقيادته وفصائله، على الرغم من أن تكوين تلك الفصائل نابع من الشعب نفسه، إلا أنه عندما يُصبح المواطن مسؤولا، تتغير أهدافه وأولوياته ونظرته إلى الشعب، ويبدأ حياة جديدة من الترف والبذخ، وسيل من التصريحات اليومية التي تحثّ على الوطنية والتمسك بالوطن، فيما جاره فقير وأبناء أصدقائه يُفكرون بالانتحار لعدم وجود فرص عمل لهم، وآخرون لا يقدرون على دفع الرسوم الدراسية لأبنائهم في الجامعات. ويحدث ذلك كله في المجتمع ما بين الشعب والقيادة، ولكن إلا من رحم ربي، نادراً ما تجد قائداً فلسطينياً فقيراً، ولا يملك سيارة فاخرة، ولا زال متمسكاً بالعيش وسط المخيم الذي ولد فيه، وتجده يُصلي في مسجدهم، ويتناول معهم طعام الإفطار.
أًذكركم بالرجل الذي نام تحت الشجرة، وقيل فيه، عدلت فأمنت فنمت يا عمر.
8981FDE1-0454-4CBC-894E-2351C53A26E0
8981FDE1-0454-4CBC-894E-2351C53A26E0
أشرف أبوخصيوان (فلسطين)
أشرف أبوخصيوان (فلسطين)