المبدع المتعدد..

05 يونيو 2018
+ الخط -
رأيناه قاصا يقرأ قصصه بصوت جميل، يفضي إلى أجوائها ببراعة الماهر الحاذق، رأيناه يمسك فراشاته ويضع آخر اللمسات على مشهد درامي مركب بجمالية الخبير بالألوان والأشكال.
في قاعات المسارح له حضور المتفرج المنتبه، والملاحظ لما يعرض من مَشاهد يرى فيها ما يستحق النقد والحوار، وفي قاعات السينما تراه يتجاذب الحديث مع المخرجين والممثلين والسينوغرافيين، وعلى صفحات المجلات والجرائد تجد اسمه تحت مقال أو فوق قصيدة أو في قائمة الأدباء والكتاب المقتدرين.
إنه المبدع المتعدّد المواهب والمساهمات في مجالات متنوعة، ويقابله جمهور ونقاد يأخذون عليه هذا التعدد وهذا الخلط، فهم يؤمنون بالتخصص المفضي إلى الإتقان "ولكل ميدان بطل".
ويقابل هؤلاء أشخاص من العامة، ومن المثقفين الذين لا يرون في هذا التعدّد سوى القدرة والموهبة، فالكفاءات تختلف، والاستعدادات تختلف، ولا ضير في أن ينتج المبدع في أكثر من مجال، بارعا، مجيدا، وقد يفوق أهل الاختصاص في مجالهم أحيانا.
إنه الاستعداد الفطري والنفسي والصقل والتمرن وبذل الجهد والاحتكاك بإبداعات الآخرين، ودقة ملاحظة عناصر القوة فيها، عناصر متكاملة يمكن أن يفضي عنها هذا المبدع الذي يعمل بانسجام وبرؤية متكاملة في مجالات فنية متعددة.
والتاريخ يبين كيف أن مبدعين كثيرين أبدعوا في أكثر من مجال، فجبران خليل جبران شاعر وكاتب ورسام، وللفارابي قدم راسخة في العلوم والآداب والفلسفة واللغات والرياضيات، وصلاح جاهين، شاعر ورسام وكاتب، وفيديريكو غارثيا لوركا، شاعر وكاتب مسرحي ورسام وعازف بيانو ومؤلف موسيقي، والطيب الصديقي، كاتب وتشكيلي ومسرحي، وغسان كنفاني، روائي وقاص ومسرحي، وأنيس محمد منصور، كاتب في الفلسفة وعلم النفس والإبداع والسياسة وعلم الاجتماع.
وبالرجوع إلى مدّعي التخصص، نجد أن إنتاجاتهم ضئيلة، ومنها الضحل والرديء، فكيف لهم باتهام غيرهم بما يسقطون فيه من عثرات بين حين وآخر؟
العبرة ببذل المجهود وحب الفن حبا يجعل صاحبه يجعله نصب عينيه في كل وقت وحين، علاوة على ذلك، فالفنون تتشابه وتتكامل في الأخير فالقصة والرواية والخاطرة والفيلم والمسرحية والشعر لا يخلو أي منها من الصورة والمشهدية والخيال .
سألنا أحد المبدعين من طراز المبدعين المتعددين عن المطروح في المقال، فأجاب بأنه ينجز ما يستطيع إنجازه من دون تصنع ولا تكلف، وفي ذلك يجد راحته، ولا يهتم بالقيل والقال. إنه يبدع لأنه يستطيع أن يبدع، ولن يقمع نفسه سيرا وراء أهواء غيره الذين لم ينجزوا ما يذكرون به، وبهذا عليهم أن يوجهوا انتقادهم اللعين إلى أنفسهم، وهم الذين لا نتاج لهم، بدل توجيهيه إلى المبدع المتعدد الذي ينكب على المطالعة والكتابة ليل نهار، مستمتعا، حالما، مقدما ما يراه مفيدا وممتعا لغيره.
لحسن ملواني
لحسن ملواني
لحسن ملواني
كاتب مغربي. يعبّر عن نفسه بالقول "الإبداع حياة".
لحسن ملواني