انتدابات بدون هوية

20 ابريل 2018
+ الخط -
الرهان المعقود في المغرب اليوم على الوحدات الترابية في مجال التنمية الجهوية، يجد موقعه المعرفي والعملي في الاقتناع بأن المستوى المحلي هو الحيز الذي يجب أن تطرح في إطاره المسائل الحقيقية المتعلقة بالنمو. ما يجد تفسيره كذلك في أن الجهوية المتقدمة صادفت ما يمكن المراهنة بتسميتها إمكانية العودة إلى تسييس الحقل العمومي، عبر تضمين دستور 2011 مبادئ جديدة وتغييرات عميقة في مجال اللامركزية ذات بعد متقدم لعل أبرزها:
أن تتبوأ الجهة مكانة الصدارة بالنسبة للجماعات الترابية الأخرى في عمليات إعداد وتتبع برامج التنمية الجهوية والتصاميم الجهوية لإعداد التراب في نطاق احترام الإختصاصات الذاتية لهذه الجماعات الترابية. مبدأ التدبير الحر للشأن المحلي وقواعد الحكامة المتعلقة بحسن تطبيق هذا المبدأ وإجراءات المراقبة والمحاسبة. تشجيع التعاون والشراكة وتأسيس مجموعات الجماعات من أجل إنجاز المشاريع التنموية وتدعيم التعاضد والتضامن فيما بين الجماعات. اعتماد الإنتخاب المباشر لأعضاء مجالس الجهات. منح صلاحية تنفيذ مقررات مجالس الجماعات الترابية لرؤساء المجالس. تحديد اختصاصات مجالس الجماعات الترابية بناء على مبدأ التفريع في اختصاصات ذاتية واختصاصات مشتركة فضلا عن الإختصاصات التي تنقلها لها الدولة.
تقودنا كل هذه العناصر إلى مساءلة قدرة الفاعل الحزبي على إنتاج نخب وبرامج سياسية واضحة، ومدى جاهزيته لمواكبة هذه الجرعة القانونية، لطرح البديل لما هو سائد، وتقديم الأجوبة على أسئلة المجتمع وقضاياه. فمن الواضح أن الممارسة الحزبية السليمة تفترض الدفاع عن تصور سياسي يعكس المنطلقات الفكرية والمرجعية الإيديولوجية لكل حزب على حدة.
إلا أنه بالعودة إلى التجربة الجهوية الحالية في المغرب، نجد من بين المظاهر التي وسمت الولاية الجهوية الأولى بعد دستور 2011 ظاهرة استمرار غياب الطابع الإيديولوجي لدى غالبية الأحزاب السياسية، إذ غالبا ما يتم نسج تحالفات بين تيارات يفترض الأمر أنها غير منسجمة، مما أدى إلى إفقاد المشهد السياسي على المستوى الترابي لرونقه الهوياتي ولزخمه السياسي وتغييب لأي عنوان مركزي.
ولعل حدث التحاق خمسة أعضاء من المعارضة (مجموعة 24) بمجلس جهة درعة تافيلالت لترقيع الأغلبية؛ كحالة مدروسة في هذا السياق؛ يشكل نوعا من النزيف السلوكي الحزبي الذي يعيد النقاش حول واقع الأحزاب السياسية المغربية إلى الواجهة، التي أبانت في هذه الحالة عن عجزها البين في استيعاب مستلزمات الانتداب التمثيلي، وأشرت على ضعف واقعها التنظيمي، الأمر الذي يمكن رصده من خلال الملاحظات التالية:
التحاق هؤلاء الأعضاء بالأغلبية مؤشر على تغليب منطق الولاءات وإحياء للقبلية. أسلوب الإلتحاق دليل على ضعف نسبة التعاطي مع القوانين الداخلية للحزب كمحدد وحيد للإنضباط التنظيمي. هيمنة المقاربة الكمية على السلوك السياسي لهذه الاصطفافات للحفاظ على موقعها الانتخابي مقابل تراجع واضح في مخرجات عمل المجلس الجهوي.
عموما؛ يؤكد الوقوف على مختلف الملاحظات السابقة أن هذه النوعية من التكتلات الحزبية الهجينة تبقى في حاجة إلى إصلاح وتقويم هيكلي. وبالتالي يمكن الحسم بتأجيل المراهنة عليها آليات قادرة على قيادة الإصلاح والتعاطي مع مضامين السياسات الترابية.
AA6AE0F5-F6F7-4119-9076-ED39D6623708
AA6AE0F5-F6F7-4119-9076-ED39D6623708
يوسف وقسو (المغرب)
يوسف وقسو (المغرب)