اللاوعي السندريلي

اللاوعي السندريلي

17 فبراير 2018

كل امرأةٍ حلمت أن تصبح سندريلا ما (Getty)

+ الخط -
حدّثتني صديقة عن عزم عائلتها على إخضاعها لعملية جراحةٍ تجميليةٍ، تسبق حفل زفافها المنتظر. كانت رغبة العائلة أن تبدو فتاتهم الوحيدة تشبه أميرات الأحلام في عرسها، الوجه والجسد والشعر والمكياج والفستان الأبيض، تشبه سندريلا، كما صدّرتها لنا الحكاية. لا يوجد خطأ واحد في شكلها، تقول صديقتي التي يراها الجميع جميلةً إنها رفضت الخضوع لعملية التجميل تلك، على الرغم من أن حديث عائلتها الدائم عما تعتبره عيبا جماليا ترك أثره القاسي في تعاملها مع نفسها في التجمعات العامة، واحتاجت وقتا طويلا حتى تصالحت مع ذلك الأثر، "كان من القرارات المهمة في حياتي رفضي الخضوع للتجميل، أحب شكلي، أحب وجهي الآن كما هو، حتى بتغضناته وتجاعيده وببطانة عيني"، تكمل صديقتي الخمسينية كلامها بأنوثة الثلاثينية ودلالها.
لم أكن في حياتي يوما من ذوات القوام الرشيق. دائما كان جسدي يحمل وزنا يفوق طاقته. كان هذا لعائلتي أيضا عيبا جماليا، دفعت ثمنه زمنا طويلا، وزني الزائد كان حجابا يمنع عني سماع "أنت فتاة جميلة" من أفراد عائلتي. كنت أعتقد أنني الأخت القبيحة البدينة، فشقيقتي الصغرى ذات قوام ممشوق يستحق النظر إليها باعتبارها جميلة. ومثل صديقتي، لم يمرّ أمر كهذا على حياتي مرور الكرام، احتجت جهدا طويلا مع نفسي، حتى أحببت جسدي، وقبلت شكله كما هو. احتجت زمنا أيضا كي أتصرّف كأنثى واثقة من أنوثتها في المناسبات الاجتماعية، أو في الأماكن العامة والتجمعات التي توجد فيها فتيات ونساء من ذوات القوام الممشوق والمشدود. أظن أحيانا أن اضطرابي، حتى اليوم، في علاقاتي العاطفية هو من تأثير تلك السنوات الطويلة من فقدان الثقة بالنفس.
هل كانت عائلتانا، أنا وصديقتي، ترياننا فعلا غير جميلات؟ يقينا لم يكن الأمر هكذا. أمهاتنا، ككل أمهات العالم، كن يردننا أجمل البنات، البنات الخارجات من الحكايات السحرية، كن يردننا سندريلات، لا يضاهي جمالَنا جمالٌ آخر. كن واقعيات، يعرفن مواطن العيب الجمالي فينا، ويردن منا أن نغيره، كن منحازاتٍ للكمال، وكن يردن أن نكون كاملات! لم تكن طريقتهن صائبةً في إيصال هذا إلينا، لكنها طريقتهن، طريقة زمن آخر له قيمه الأخرى، ولا أحد يمكنه العودة بالزمن لكي يخبرهن بأننا لم ننج كثيرا من رد فعلنا الغريزي على طريقتهن، على الرغم من تصالحنا لاحقا مع الأمر.
على أن الهوس بالجمال الكامل شأنٌ أنثويٌّ عام على ما يبدو، إذ ما من امرأةٍ إلا حلمت أن تصبح سندريلا ما، أو شبيهة بها. تقول صديقة أربعينية، تعاني من فشل مستمر في حياتها العاطفية: "أظن أني سأبقى وحيدة دائما، لست جميلةً ولا صغيرة في السن، فرصي في الحب قليلة"، مع أن صديقتي هذه جميلة بكل المقاييس، لكنه واحدٌ من الشؤون الأنثوية أن تلقي إحدانا مسؤولية الفشل بعلاقاتها العاطفية إلى نقص ما تراه في جمالها!
ذات يوم، نصحتني صديقة أن أخضع لعملية شفط وشد لمنطقة البطن، فهذا سيحسن فرصي في الحياة مع رجل في هذه السن! ولا أنكر أنني فكرت بذلك ذات يوم، وأفكر به أحيانا كثيرة حين أصاب بحالات فقدان الثقة بالنفس، وهو ما يُصاب به الجميع، رجالٌ ونساء، لكن اللاوعي السندريلي الموجود في الأنثى يحيل الأمر إلى النقص في الجمال، وهو نفسه ما يجعلني أرتعب من تهدّلات وجهي، وصبغات التقدم في السن على يدي، وذلك ما لا يشغل بال الرجال كثيرا. لا توجد لدى الرجل عقدة الأمير الوسيم، لا يشعر أن فرصته في الحب والزواج تقل إذا ما تقدّم في العمر، وتهدل وجهه، وزاد وزنه وسقط شعره، يضمن له تفوقه الاجتماعي (الديني)، هذه الفرصة في كل وقت وزمن، تضمن له حتى النساء ذلك.
الحال أن سؤال الجمال يبقى صعبا ومن دون إجابة محدّدة، فعني أنا، فكلما رأيت امرأة ممشوقة القوام أنظر إليها ببعض الحسد، على الرغم من أنني أدرك تماما أن لدي من الحضور وإشعاع الروح ما يتفوق على جمال نساء كثيرات، وعلى الرغم من أنني اعتدت أن أقدّم نفسي للآخرين امرأة مختلفة وجميلة. ومع ذلك، أتمنى أحيانا لو أن هناك ساحرة ما تمسّني بعصاها السحرية، وتحولني إلى سندريلا كاملة الجمال.
BF005AFF-4225-4575-9176-194535668DAC
رشا عمران

شاعرة وكاتبة سورية، أصدرت 5 مجموعات شعرية ومجموعة مترجمة إلى اللغة السويدية، وأصدرت أنطولوجيا الشعر السوري من 1980 إلى عام 2008. تكتب مقالات رأي في الصحافة العربية.