عودة رجال مبارك

عودة رجال مبارك

12 فبراير 2018
+ الخط -
عاد رجال نظام حسني مبارك إلى الظهور في مصر. ليس على استحياء، ولا في قاعات المحاضرات الجامعية، أو أروقة المحاكم، لممارسة أعمالهم أساتذةً أو قضاةً أو محامين. وإنما في الإعلام والحياة العامة والنشاط المجتمعي. باختصار، يعود رجال مبارك بقوة وجرأة، وبلا أي تردد أو خشية من أي شيء. ستقوم مستشفى الخميس المقبل بتكريم فتحي سرور الذي ترأس مجلس الشعب في عهد مبارك عقدين (1991 – 2011). وكان سرور قد عاد إلى مزاولة عمله أستاذا جامعيا للقانون، وبدأ يباشر العمل محاميا. أما فاروق حسني، أطول وزراء مبارك بقاء في المنصب، حيث حمل حقيبة الثقافة ربع قرن (1987 – 2011) فقد ظهر مرات ضيفاً على وسائل إعلام تابعة لرجال أعمال مباركيين. ثم تولى قبل أيام رئاسة مجلس أمناء أكاديمية خاصة للفنون، يرعاها رجل الأعمال حسن راتب بالتعاون مع الفنان محمد صبحي. وقبل أسابيع، ظهر حسام بدراوي أحد أبرز وجوه الحزب الوطني في حوار تليفزيوني طويل. وهكذا، توالى ظهور رجال مبارك بأشكال متنوعة، بين إطلالة إعلامية تمهيدية للعودة وعودة فعلية لمزاولة العمل العام أو الخاص، والاندماج مجدداً في المجال العام.
صحيح أن غالبية المصريين كانوا يتمنون التخلص من رجال مبارك إجمالاً، وفرحوا كثيراً لمحاكمة عدد منهم. في سياق الغضب العام والنقمة على كل ما جاء به مبارك خلال سنوات حكمه، الأخيرة منها خصوصاً. ولكن لم يكن للمصريين مشكلة حقيقية أو ثأر عند أي من هؤلاء الرموز المباركيين، ربما باستثناء حبيب العادلي بحكم منصبه في قمة هرم الجهاز الأمني الذي يحظى بكراهيةٍ واسعة لدى المصريين. لذا فإن موقف الرأي العام تجاه رجال مبارك كان محكوماً بسياق وضعياتهم في منظومة الحكم. وبما أنهم خرجوا من السلطة، ومن حوكم منهم حصل على براءة قضائية، بغض النظر عن حقيقة نزاهته أو فساده، فإن عودتهم إلى الظهور مجدّداً في الحياة العامة، لن يمثل أزمةً أو يثير أي ردود فعل سلبية لدى المصريين، خصوصا أن طبيعة عمل معظم هؤلاء بعيدة نسبياً عن الاحتكاك بالجمهور العادي. فهم إما رجال أعمال، مثل أحمد عز وأحمد المغربي ومحمد منصور ورشيد محمد رشيد، أو أكاديميون مثل فتحي سرور ومفيد شهاب، أو فنانون ومثقفون مثل فاروق حسني وجابر عصفور وعبد المعطي حجازي، أي نخبويون بامتياز. لا يعرف المصريون عنهم شيئاً، ولا علاقة مباشرة معهم سوى أنهم كانوا رجال مبارك أو رفاق ابنه جمال.
هذه هي الموجة الثانية من عودة رجال مبارك. كانت الأولى "البراءات الاقتصادية" التي أعادت رجال الأعمال إلى النشاط الاقتصادي والتجاري، بعد تبرئتهم في قضايا تركزت حول الفساد والتربح أو الاحتكار. فعاد كل من أحمد عز ورشيد ومنصور والمغربي وغيرهم إلى إدارة أعمالهم وشركاتهم. وبعد موجة براءات رجال الأعمال، تمت أيضاً تبرئة صفوت الشريف وفتحي سرور وأنس الفقي وغيرهم، من اتهامات تنوعت بين الكسب غير المشروع وإساءة استخدام السلطة وإهدار المال العام. لكن هؤلاء البعيدين عن "البيزنس" والأموال ظلوا كامنين، ولم يظهروا على السطح سريعاً. حتى بدأوا أخيرا في الظهور بشكل متتالٍ ومكثف. ربما يفعل ساسة مبارك ذلك تنفيذا لتعليماتٍ أو بحكم ارتباطاتهم مع شبكات المصالح المباركية التي لم تتفكك بعد. وربما السبب تطلعات شخصية وأطماع في دور سياسي مستقبلي. في الحالتين، يعكس اختيار هذا التوقيت للظهور والتحرّك استغلالاً للظرف الداخلي الراهن، وحالة حبس الأنفاس التي تسود السلطة ومؤسساتها ورجالها، لتأمين عودة سلسة إلى الواجهة وإيجاد موطئ قدم لرجال مبارك في المرحلة المقبلة. فهل تسمح لهم السلطة بذلك؟ سؤال يستحق الإجابة لاحقاً.
58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.