تيريزا ماي وحافّة الهاوية

تيريزا ماي وحافّة الهاوية

14 ديسمبر 2018
+ الخط -
حصل ما لم يكن في حسبان رئيسة الحكومة البريطانية، تيريزا ماي، ووصلت إلى اللحظة الحرجة أول من أمس الأربعاء (12/12/2018)، حين تمكّن نوابٌ من حزبها (المحافظين) من جمع النصاب الكافي لسحب الثقة منها. ويعتبر السبب المباشر لهذا التمرّد تأجيل تصويت البرلمان البريطاني، يوم 11 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، على الاتفاقية التي توصلت إليها لندن مع الاتحاد الأوروبي، من أجل تنظيم عملية الطلاق بين الطرفين التي تبدأ في نهاية مارس/ آذار المقبل، وتمر بفترة انتقالية تنتهي في أول عام 2021. وكانت ماي ترمي من تأجيل التصويت إلى إقناع الأوروبيين بإعادة التفاوض على نقاط عديدة في الاتفاق الذي أقرته القمة الأوروبية في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بحضور ماي، وسعت رئيسة الوزراء من التأجيل إلى تحسين أوراقها قبل أن تعود إلى البرلمان البريطاني، لعرض الاتفاق في 21 يناير/ كانون الثاني المقبل.
اتبعت ماي استراتيجية حافّة الهاوية من أجل الإبحار بالمركب البريطاني وسط بحر أوروبي هائج، واعتمدت على التهويل والابتزاز، كي تصل إلى بر الأمان. وضعت الأوروبيين أمام مخاوف الخروج من الاتحاد من دون اتفاق، وحاولت أن تفرض على البرلمان البريطاني الاتفاق الذي حصلت عليه بوصفه الخيار الأفضل الذي لا بديل له، وبقيت تراهن على عامل الوقت. ومن هنا، كانت تتهرب من طرح الاتفاق أمام التصويت، وتمارس لعبة التأجيل، تحسّباً من انقلاب داخلي، يمكن أن يسقطها من رئاسة الوزارة، ويعيد خلط الأوراق.
يبعث حال تيريزا ماي على الرثاء، فهي عاشت وواجهت، منذ نجاح استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي (البريكست) في يونيو/ حزيران 2016، وضعاً ميؤوساً منه، في وقتٍ كان عليها أن تخرج بلادها من المأزق الذي وضعها فيه رفاقها في حزب المحافظين، وفي مقدمتهم رئيس الحكومة السابق، ديفيد كامرون، الذي اخترع بدعة "البريكست" لأسباب انتخابية، ولم يدرس عواقبها، والدليل أنه حين نجح الاستفتاء قرر تقديم استقالة حكومته وانسحب من الساحة، تاركاً كل الأعباء تقع على ظهر ماي التي كانت في صف معارضي خروج بلادها من الاتحاد الأوروبي، ولكن بما أن هذا الأمر فاز في الاستفتاء، فإنها صارت مجبرة على تبنّيه بوصفه خيار الغالبية البريطانية، وباتت أسيرة موقف الغالبية، ولم يكن في وسعها أن تتراجع عن "البريكست" حتى بوسائل ديموقراطية، مثل اللجوء إلى استفتاء آخر، ولذلك عاشت حالة شكسبيرية حرجة.
وبدلاً من أن يلعب الوقت لصالحها، انقلبت الآية. ومع الأيام، باتت في وضع حرج، فاقم منه أن حزبها ليس موحّداً من ورائها، وحكومتها لم تكن على قلبٍ واحدٍ، واستقال سبعة من أعضائها. لذا، سار الموقف نحو طرح حزبها، الذي اختار طريق الخروج من الاتحاد الأوروبي، الثقة بقيادتها. وحتى أسبوع مضى، كانت هناك خيارات محدودة، جميعها لا توفر لها مخرجاً مريحاً من المأزق. ومنها بالخصوص مغادرة الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق، وهذا يعني الطلاق الذي سيترك شرخاً كبيراً بين بريطانيا وأوروبا على المستويات كافة، وهذا الخيار الهروبي ستردّ عليه أوروبا بقسوة، الأمر الذي يحمّل بريطانيا تبعات كبيرة اقتصادية وسياسية وأمنية. والخيار الثاني هو إقرار الاتفاق قبل أسابيع من الموعد المحدد للخروج في 29 مارس/ آذار، وهذا يعني أن موقف بريطانيا سوف يصبح أضعف مما هو عليه اليوم.
كانت ماي تراهن، في اللحظة الأخيرة، على موقف أوروبي مرن، يقدم بعض التنازلات التي تسلحها بأوراق قوةٍ، تمكّنها من مواجهة حالة الغضب التي يعيشها قطاع واسع من الشارع البريطاني، لكن حزبها حاول أن يحرمها من ذلك، حين طرح الثقة بقيادتها. وعلى الرغم من أنها تجاوزت الامتحان بجدارة، إلا أن موقعها مهدد، وما تعرضت له ليس سابقة في تاريخ المحافظين الذين وقفوا ضد مارغريت تاتشر، وأجبروها على الاستقالة في نوفمبر/ تشرين الثاني 1990، وهي في القمة.
1260BCD6-2D38-492A-AE27-67D63C5FC081
بشير البكر
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد