الأضرار الجانبية للأزمة الخليجية

01 سبتمبر 2017
+ الخط -
لم يعد الخليج أمة واحدة من دون الناس، بعد الأزمة التي نشبت أخيرا بين دوله ومجتمعاته. وهي أزمة عصفت، ولا تزال، بروابط الأخوة والتاريخ والدم، بعد انتقالها من السياسي إلى الاجتماعي، وإلى ما هو أعمق وأوسع. ولا يدرك من أطلقوا الأزمة سياسياً أنّهم أطلقوا معها حساسياتٍ وحساباتٍ ظنّ بعضهم أنّ التاريخ قد طواها. وكلّما حاول أحد التدخل والتوسط لحلِّ الأزمة، تدخّل الإعلام وأهله كي يسكبوا عليها مزيداً من النيران لتظلَّ مشتعلة، حتى وصل الأمر أخيراً إلى العبث في علاقات الأسر الحاكمة، وروابطها القبلية والعائلية، من أجل بثّ الفرقة والانقسام، وهو ما يضع الأزمة الحالية على مسار اللاعودة. 
دعّ هذا جانباً، وانظر إلى تداعيات الأزمة على مجلس التعاون الخليجي الذي أوشك أن يصبح أثراً بعد عين بفعل الأزمة، وهو يقف عاجزاً تماماً عن اتخاذ أي موقف يتناسب مع دوره، وهو الذي يعتبر مظلةٍ خليجيةٍ لحلّ الصراعات والخلافات، وذلك بعدما نجح أحد طرفي الأزمة في تجييره لصالحه، وذلك على العكس من دوره الذي يفترض أن يتسم بالاستقلالية والحياد، كما نصّت عليه لائحة تأسيسه. كما أنّ فلسفة تأسيس المجلس لم تنبع فقط من مواجهة الأخطار الخارجية التي تهدّد دوله، وإنّما بالأساس لضمان تحقيق قدرٍ من التعاون والتكامل بين أعضائه وشعوبه التي تربطها علاقات الدم والتاريخ والمصاهرة. وهو من الاتفاقات الإقليمية النادرة التي تضع مصلحة الشعوب واحدا من أهدافها الرئيسية، فالمادة الرابعة من النظام الأساسي للمجلس الذي تأسّس أواخر مايو/ أيار 1981 تنصّ على أن من بين أهداف المجلس "تعميق وتوثيق الروابط والصلات وأوجه التعاون القائمة بين شعوبها في مختلف المجالات".
كما أنّ أحد الأهداف الأساسية للمجلس أيضا تحقيق حرية الانتقال بين دول المجلس، سواء للأفراد أو العائلات أو البضائع، أملاً في تحقيقِ نوع من التكامل والوحدة السياسية والاقتصادية بين دول المجلس وشعوبه، وهو ما أصبح الآن حلماً بعيد المنال، فحين نسمع أو نقرأ في الأخبار ما يحدث من حالات إنسانية تقطّعت أرحامها وروابطها الاجتماعية والقبلية بفعل الأزمة ندرك أنّ الجرحَ بات عميقاً، ومن الصعوبة أن يندمل مرة أخرى. والأنكى إصرار دول الحصار وإعلامها على الذهاب بعيداً في هذا الشأن، وكأنّه أمرٌ مقصودٌ بتسميم العلاقات بين شعوب دول الخليج. وقد تجاوز هذا الإعلام كلّ الخطوط الحمراء في تغطية الأزمة، من خلال الخوض في مسائل اجتماعية ذات حساسية عالية لدى المواطن الخليجي. وسار على نهجه بعض من النخب التي تماهت مع مواقف أنظمتها، رهباً أو رغداً. فعندما تقرأ مقالاً لكاتب أو فنان أو مثقف ينتمي لإحدى دول الحصار، وكان ليس فقط ضيفا دائما على الدوحة ذهاباً وإياباً، وإنما أيضاً مشيداً بها وبقيادتها، ينقلب فجأة على نفسه، وعلى جمهوره، وينخرط في حملة التشويه والتحريض، تكتشف، حينها، أنّ الموضوع بات خارج السيطرة، ولا أدري ماذا سيكون عليه موقف هذا الكاتب أو الفنان أو المثقف، عندما ينقشع غبار الأزمة، إن حدث.
قطعاً لن يعود مجلس التعاون كما كان، والذي لم يعد له من اسمه نصيب، وهو الذي يعاني أصلاً من مشكلات هيكلية وسياسية كثيرة، لكن المأساة هي ألا تعود ُعلاقات شعوب المجلس ودوله كما كانت. فقد دقّت الأزمة الحالية مسماراً كبيراً في نعش المجلس باعتباره مؤسسة إقليمية، ولن أستغرب كثيراً إذا ما لاقى المجلس مصيرَ غيره من المنظمات العربية والإقليمية، سواء التي أصبحت جثة هامدة مثل جامعة الدول العربية، أو تم تشييع جثمانها، كما حدث مع اتحاد المغرب العربي، وذلك بفعل الأزمة الراهنة.
A6B2AD19-AA7A-4CE0-B76F-82674F4DCDE4
خليل العناني

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الأميركية. عمل كبير باحثين في معهد الشرق الأوسط، وباحثاً في جامعة دورهام البريطانية، وباحثاً زائراً في معهد بروكينجز.من كتبه "الإخوان المسلمون في مصر ..شيخوخة تصارع الزمن".