شاعر سقطت مملكته

17 مايو 2017
+ الخط -
في مثل هذا اليوم، لا بل في مثل هذه اللحظات، كنت أكتب لها الحروف والقصائد، لأنّها الأميرة على إمارتي، وكنت شاعرًا في بلاطها، كنت أكتب لها أجمل ما لديَّ من حروف، كسّرت كلّ مخازن المفردات لأسرق لها أعذب الكلمات وأحسنها، تعمقّتُ في بحور الخيال وصارعت أمواج الحياة التي حاولت أن تقف بيني وبين الغوص في الخيال، ولكن صمدتُ وغصت وقطفت لها من كلّ بحرٍ قصيدة ومن كل نهرٍ دريّة من درر الجمال، ولم أكن أهديها الشعر لأكسب كرمها أو لأسمع حاشيتها يصفقون لي بحرارة أو ليمدحوني في حضوري وغيابي، كلّ ما تمنيته هو أن أرى الإبتسامة تُزيّنُ شفتيها والفرحة تسكن عينيها، لإبتسامتها تبتسمُ إمارتي بسكانها وقصورها وجدرانها، وتبتسمُ عينيَّ كذلك.
ولكن، مرّت الأيام والشهور والسنوات، ولا زالت إمارتي بتلك الصورة الحزينة، لا أميرتي أسعدت إمارتي، ولا توقفت أنا عن الهذيان بالقصيد، على الرغم من الصخب الذي كان يعتري مجلسها.
بقيتُ على ذلك الحال ردحًا من الزمن، أكتبُ، أهذي، وأُضحكُ الجميع إلا هي لم تبتسم أو تضحك، فربما كانت أكثر أدبًا منهم، فتضحك في ساعة غيابي، كي لا أشعر بالإنكسار، ولكن ضحكها في غيابي لن يُسعد إمارتي وسكانها وقصورها وجدرانها.
فجأة ومن دون سابق تهديد أو إنذار، وكما كلّ قوانين الحرب، اقتحمت إمارتي، لا ربما خانها أحدهم من الداخل، لم أعد أتذكر جيدًا ما حدث في ذلك اليوم، لأنّي كنت تحت تأثير اللاعقل واللاوعي، اللاجنون، اللااستيعاب..
المهم في الأمر، وأظن أنّ كل شيءٍ آنذاك مهم، أوْدَعتُ في زنزانةٍ انفراديةٍ وحدي أُحدّثُ إمارتي بسكانها القتلى وقصورها المهترئة المهدومة وجدرانها الملقاة على الأرض، ولم يعد هناك إلا أنا أو جسدٌ يُشبهني ربما.
هلكت إمارتي ونجت الأميرة، وربما صارت أميرةً على إمارةٍ أخرى أو حتى جارية.. لا يهمُ عندي، فالمقتول لا يهتم، سواءً عرف المحقّق نوعية أداة الجريمة أم لا، سواء قتل بالخنجر أم بالكلاشنيكوف؟ لا يهم.
D3DEB331-FD61-412F-A981-A02DF5C92998
D3DEB331-FD61-412F-A981-A02DF5C92998
مطهر الخضمي (اليمن)
مطهر الخضمي (اليمن)