اليَمنُ بين اختلالَينِ

13 مارس 2017
+ الخط -
عند الحديث عن اليمن، وما تعيشه منذ سنتين خلت، تتبادر إلى أذهاننا الحرب التي تقودها القوات السعودية بتعاونٍ عربيٍ وأجنبيٍ، لإعادة الشرعية المسلوبة من الرئيس المنتهية فترة ولايته، عبد ربه منصور هادي، وكذا الحروب الداخلية المتفرقة على عدّة جبهاتٍ عنيفة والاقتتال بين طرفي النزاع بدعمٍ ماديٍ وإعلاميٍ من السعودية وحلفائها للطرف الموالي لها، والتي شنّت الحرب العبثية متسترةً به، وأقول عبثيةً لعدّةِ اعتبارات أبني عليها هذا القول، أبرزها استمرارية الحرب من دون أيّ حسمٍ يُذكر، وهذا ما تقوم عليه الحروب، فضلًا عن تحقيق ما صرَّح به الناطق الرسمي للتحالف السعودي العربي، أحمد عسيري، بأنهم سيحسمون المسألة في غضون أسبوعين.
كما يراودنا الفارق الكبير الذي حقّقته بسالة المقاتل اليمني، ومواجهته الترسانة الضخمة بسلاحه وذخيرته البسيطة ليتفوقَ وبجدارةٍ عليها، وليثبتَ الواقع عكس ما تخيلته توقعات المُشعل لشرارةِ الحرب وصاحب العدَّة الكبيرة والعتاد الكثير.
وبعيداً عن الاختلال الخارجيِّ المتخبِّطِ في عبثيته، وكذا الحرب الداخلية المسنودة بدعم الأولى، أشير إلى الاختلال الداخليِّ الذي يُعدُّ الأسوأ من الاختلال الخارجيِّ، ويتمثل هذا الاختلال بشكلٍ عامٍ في تغييب الإيرادات المالية والسيطرة على موارد الدولة المتبقية من إجمالي الموارد التي تتحكّم بها قوات الطرف الآخر الموالية لهادي، ويقود هذا الاختلال القائمون بنظام الدولة حالياً، وهم جماعة أنصار الله من خلال الشكليَّة الغير قانونيةٍ التي سنوها منذ دخولهم العاصمة صنعاء، وأتاحت هذه الشكلية التحكّم غير القانونيِّ بالإيرادات والتصرّف فيه بطريقةٍ همجيَّةٍ، أوصل كل ذلك، في نهاية المطاف، إلى عدم القدرة على تسليم مرتبات العاملين في السلكين المدنيِّ والعسكريِّ (الموظفين والجند) ستة أشهر متتالية.. وأكثر.
كانت بداية هذا الاختلال عندما دخل مسلحو جماعة أنصار الله العاصمة صنعاء بعد اعتصاماتٍ حول مداخلها دامت أشهر معدودة، وأحكمت سيطرتها على مؤسسات الدولة، وأعقبت ذلك تبعات عديدة كانت نتيجتها سيئةً على البلاد للغاية، وأهمها على الإطلاق تأسيس وإنشاء ما يُسمّى المجلس الثوريَّ واللجنة الثورية العُليا، كتعبيرٍ عن ما تُدعى ثورة 21 سبتمبر، وإعطاب عمل مجلس النوَّاب الممثل للسلطة التشريعية في النظام اليمني.
والذي كان مُخـوَّلًا بقبول استقالة كلٍ من هادي وبحاح، واللذانِ قدّما استقالتهما عقب تلك التغيرات، حيث ظل هادي بعدها محتجزا في منزله، فارضين عليه الإقامة الجبرية، ولم يتمَّ إخراجه إلا قبل انتهاء مدّة قبول الاستقالة بيومٍ فقط، حيث ذهب إلى عدن وأعلن من هنالك شرعيته بالتراجع عن الاستقالة.
وخلال تلك الفترة، اقتحمت جماعة أنصار الله مقرَّات حزب الإصلاح وصادرت جميع مقتنايتها وأدواتها، وتغلغلت في مؤسسات الدولة، ونشرت أفرادها بين شرايين ومفاصل النظام بكلّ محتوياته، وذلك في سياسة ما يُعرف بالمشرفين والمندوبين، ولم تسلم منهم حتى المساجد والأحياء الصغيرة منفِّذةً السياسة السلطوية التي كانت تقوم بها الأنظمة الديكتاتورية والاشتراكية وما شابهها، ولكن بعكسها، إذ كانت تلك الأنظمة قادرة على سدِّ حاجة المواطن، بقدر تسلّطها عليه، بينما لم يستطع هؤلاء توفير المرتبات الخاصة بالموظفين، فضلًا عن المكافآت والحوافز. وبهذا، لم تستطع هذه السلطة إعطاء القوت الأساسي للشعب الذي أصبح غالبيته العاملة معتمدةً وبشكلٍ ضروريٍ على مرتبات الدولة التي يعملون لدى مؤسساتها.
وبعد فترةٍ وجيزةٍ على دخولهم العاصمة، واستتابهم فيها، أعادوا مقرَّات حزب الإصلاح وجميع مقتنياتها إلى أصحابها، وتمَّ نقل ذلك بالصوت والصورة عبر قناة المسيرة، وكان بالأحرى إلى جانب ذلك أن يسلِّموا المقارَّ الحكومية ومرافق ووزارات وأجهزة الدولة حينها، والتي ما زالوا مسيطرين عليها، إلى درجة أنَّ المشرف أو المندوب أصبحت سلطته داخل الوزارة أكثر وأقوى تأثيراً حتى من الوزير نفسه، ما أوصل إلى وضع العجز وعدم القدرة الذي نحن فيه.
وعلى الرغم مما تمَّ تشكيله من "مجلس سياسي" و"حكومة إنقاذ وطني" إجراءات تظهر تطوراً لدى هذا الطرف من الدولة، وإنهاء ما تسمى "اللجنة الثورية" بإعادة مجلس النواب واستئناف جلساته، إلا أنّ اللجنة الثورية ما زالت المسيطرة على مجريات الحكم هنا، ولم يزل رئيسها محمد علي الحوثي يصول ويجول، متحكّماً في جميع منافذ الدولة ومصادرها الإيرادية.

3477DF8A-0D88-4073-B9A3-59B697481FE0
3477DF8A-0D88-4073-B9A3-59B697481FE0
منير محمد العِمري (اليمن)
منير محمد العِمري (اليمن)