"ناسا" وسفينة نوح

"ناسا" وسفينة نوح

25 فبراير 2017

سبعة كواكب اكتشفتها "ناسا" (22/2/2017/Getty)

+ الخط -
أعلنت وكالة الفضاء الأميركية (ناسا)، قبل أيام، عن اكتشافٍ مذهلٍ ومثيرٍ لسبعة كواكب بديلة عن الأرض، ويمكن العيش عليها، وتدور، كما كوكب الأرض، حول نجم بارد جدا، بمسافة قريبة، بما يكفي لوجود المياه والحرارة اللازمة للعيش. تبعد هذه المجموعة الشمسية الجديدة المكتشفة عن كوكبنا الأرضي حوالي أربعين سنة ضوئية، أي ما يعادل 378.4 تريليون كيلومتر، وهو، لحسن الحظ، زمن عظيم، كي تبقى هذه الكواكب صالحةً للعيش للأجيال البشرية والكائنات الحية الأخرى التي سيكتب لها النجاة بعد مئاتٍ من السنين، إذ، في ضوء ما يحدث على كوكبنا الأرضي، سيصبح هذا الكوكب في حالة دمار شامل خلال مدة قصيرة، وإن لم يفن النوع البشري عن بكرة أبيه، سيضطر الباقون للبحث عن أمكنةٍ صالحة للعيش، وها هي "ناسا" تكتشف هذه الأمكنة، وتضعها في مواجهة البشر، في تحدٍّ معلن وصريح لكل سرديات الخلق، والنزول من الجنة إلى الأرض بسبب تفاحة، وإلى ما هنالك من سردياتٍ ومروياتٍ وأساطير، تقدّم الكون بوصفه عالما مجهولا لا يعرفه إلا خالقه. وبوصف الأرض المكان الوحيد الصالح للحياة، التي ستنتهي مع يوم القيامة.
ولعل الرابط الوحيد بين هذه السرديات والكواكب المكتشفة هو قصة سفينة نوح، إذ يمكننا أن نتخيّل أن هذه الكواكب ما هي إلا سفينة نوح التي ستنقذ بعض الكائنات الحية من الطوفان الذي ليس هو سوى تاريخ طويل من الحروب والأسلحة المدمرة، والخراب الحاصل بفعل التنافس على القوة والسيطرة، وتاريخ طويل من التنمّر البشري ضد الطبيعة والمخلوقات الأخرى، وتاريخ طويل من الظلم والاستعلاء والعنصرية والتطرّف! ولكن، ماذا لو أن بعد هذه الكواكب عن الأرض كان أربعين سنة أرضية لا ضوئية؟ هل يمكنكم تخيّل ما قد يحدث؟ دعونا نتخيل ذلك بناء على وضع البشرية الحالي، والذي يبدو أنه سيستمر وقتا طويلا على ما هو عليه، وقت قد يتجاوز الأربعين عاما بكثير، فمثلا، ترامب، باعتباره يسير على خطى الزعماء العرب في الأبدية، سوف يحاول شراء هذه الكواكب، وضمها إلى إمبراطوريته المالية وولاياته الأميركية، وسيتنافس مع الشركات الأخرى الحاكمة للعالم في السعي إلى السيطرة عليها.
الدول المصنعة للأسلحة سوف تجعل من هذه الكواكب مختبراتٍ جديدة لتجريب المستحدث من كل أنواع الأسلحة، ومكبات لنفايات تجاربها. الحكام العرب سوف يتسابقون لإرسال مواطنيهم الشرفاء الذين سوف يتنافسون حول من يحمل منهم الصورة الأضخم لزعيمه، الأزهر والفاتيكان سوف يعقدان اجتماعاتٍ، لإثبات أن الكواكب المكتشفة قد ذُكرت في الكتب السماوية المقدّسة. سوف يؤكّد زعماء الطوائف الإسلامية على وجود مراقد لأئمتهم هناك، وبالتالي، سوف يرسلون الشبان المتطوعين لحماية هذه المراقد. ستكتشف الحركة الصهيونية أن أرض الميعاد كانت هناك، وبالتالي، سيتم استنفار اليهود حول العالم لاحتلال الأرض الموعودة. الأحزاب الإلهية، ومن خلفها دول الممانعة، سوف تقاوم المشروع الاستيطاني، وستفتك في طريقها نحو القدس التي هناك بكل من يعترض على وجودها، "داعش" وأخوته سوف يرسلون الانغماسيين المفخخين لتفجير هذه الكواكب، بعد جلسات متواصلة، يصفون فيها لانغماسييهم حسن النساء والحوريات هناك. سوف تنشئ هوليوود وشركات الإنتاج السينمائية استديوهات طبيعية هناك، وستحقق مزيداً من الأرباح، بسبب استغنائها عن بناء الاستوديوهات المتخيلة. الشعراء الذين لا تتم دعوتهم إلى المهرجانات الشعرية على الأرض سوف يعوّضون ذلك على منابر الكواكب السبعة الأخرى. والروائيون المقصيون عن الجوائز سوف يحصلون على فرصهم هناك. كل من يحلم بشيء سيسعى إلى تحقيق حلمه هناك.
وحدهم السوريون، إنْ بقي منهم أحدٌ بعد أربعين عاما، سوف يتأملون ما يحدث حولهم، وهم صامتون، إذ ستغلق الكواكب السبعة أبوابها في وجوههم، كما الأرض تماما، أو ربما وجدوا طرقهم الخاصة للتهريب والوصول، واكتشاف ما يحدث في تلك المنطقة الجديدة من الكون، لكنهم سوف يشعرون، أخيراً، بالحرية، إذ سيكون العالم مشغولا بحروب السيطرة على الكواكب المكتشفة تلك، ولن يكترث أحدٌ إن دخل سوريٌّ ما إلى بلدٍ على كوكب الأرض الحالي، فلن ينتبه أحد إليه، ستكون أجهزة الأمن في هذه الدول مشغولة برصد الداخلين إلى الكواكب السبعة وتجهيز الملفات الأمنية عنهم.
BF005AFF-4225-4575-9176-194535668DAC
رشا عمران

شاعرة وكاتبة سورية، أصدرت 5 مجموعات شعرية ومجموعة مترجمة إلى اللغة السويدية، وأصدرت أنطولوجيا الشعر السوري من 1980 إلى عام 2008. تكتب مقالات رأي في الصحافة العربية.