شرطة مكافحة "الأحضان"

شرطة مكافحة "الأحضان"

07 أكتوبر 2017
+ الخط -
"لن يجرؤ طالب على الإمساك بيد طالبة في وجود الحرس الجامعي.. رجعوه فورا". كان هذا رد الفعل الغاضب من القائم بأعمال رئيس جامعة طنطا، ضمن موجة من الحزم والهزل انطلقت خلال الأيام الماضية، بسبب كارثة ارتكاب طالب وطالبة جريمة احتضان بعضهما داخل جامعة طنطا.

تفاصيل الواقعة تُظهر أنها حتى أبسط من بساطتها الأولى، الشاب خطب الفتاة بالفعل من أسرتها قبل شهر، وهذا الحفل البسيط تم تنظيمه بعد استئذان مدير أمن الكلية ورئيس اتحاد الطلاب، وبعدما فاجأها بتقديم الخاتم، احتضنته برد فعل تلقائي، كما قال فيما بعد، متبرئاً من أن يكون انتوى مسبقاً هذه الجريمة الرهيبة، بل قال إنه مخطئ ويستحق العقاب، لكن لا تدمروا مستقبلي. سبب هذا التوسل الحزين بالطبع ضراوة ما تعرّضا له، فالجامعة أحالتهما إلى مجلس تأديب، مع تهديد بأن العقوبة قد تصل إلى الفصل النهائي، فضلاً عن إحالة سبعة آخرين من الحضور، وكذلك مدير أمن الكلية ورئيس اتحادها.
أبسط المفارقات الهزلية هنا أن رئيس الجامعة الذي يقول إن ما حدث خروجٌ عن اللائحة التي تنص على "الأعراف الجامعية" (مادة مطاطة لا تحمل أي تعريفات وتحتمل أي شيء) هو نفسه يطالب بعودة الحرس التابع للداخلية في الجامعات، وهذا يخالف حكما قضائيا نهائيا صدر في 2010 وطُبق بعد الثورة ولم يُلغ. يريد أن ينفذ اللائحة الوهمية بمخالفة قانون ثابت.
والواقع أنه يبادر بهذا المطلب الذي لم يطرحه أحد، ولا حتى في البرلمان أو الحكومة، بعدما توافق الجميع على الاكتفاء بشركات أمنٍ بعضها يديره سياديون سابقون، مثل "فالكون"، كمزايدة مجانية ليحصل على حظوةٍ قد تطيل بقاءه في منصبه أو ترفعه عنه، وهذه أهم أعراض الكارثة الجامعية الحقيقية التي حدثت في 2014 بإلغاء انتخابات عمداء الكليات ورؤساء الجامعات، فعاد التسابق على رضا السلطة، لا رضا الزملاء.
كما أن الجامعات مليئة بكوارث تنتظر أسئلة أخرى. كم جامعة مصرية في تصنيف أول 100 أو 300 أو 500 جامعة في العالم؟ كم ورقة بحثية ينشرها الأساتذة؟ كم جائزة دولية ينالها الطلاب؟ كم عدد الطلاب غير القادرين على شراء مستلزمات الدراسة؟ هذه كلها أسئلة تعليمية بحتة من دون التطرق للأسئلة عن عدد الطلاب المعتقلين وما شابه.
على جانب آخر، قال رئيس الجامعة إن ما حدث من الطالب والطالبة غريب عن مصر، وإن الطلاب "ضحايا أفلام السبكي الهابطة، والتقليد الأعمى للغرب والحرية الزائدة"، والحقيقة أن مصر أخيرا أصبحت تشهد هجمة أخلاقية سلطوية.
زلزال هائل بسبب رفع راية قوس قزح، ما أطلق حملة أمنية قبضت على 57 شخصاً حتى الآن من المثليين، أو ممن يتهمون بدعم المثلية، وحُكم على أحدهم بسرعة أسطورية بالحبس ست سنوات. حملات للقبض على المجاهرين بالإفطار في رمضان. كمائن للشرطة والجيش توقف السيارات على طرق ساحلية، لتستولي على الخمور وتكسر الزجاجات على الأسفلت. وفي الواقع، لا يمكن فصل ذلك عن حملات شبيهة حدثت في دول أخرى، كقانون حظر صنع  الخمور وبيعها واستيرادها في العراق في سبتمبر/ أيلول الماضي، أو حملة سلطة رام الله ضد المجاهرين بالفطر، وأيضاً مصادرة رواية عبّاد يحيى للدواعي الأخلاقية نفسها، أو حتى قرار صدر في مناطق في ليبيا خاضعة لسلطة خليفة حفتر بمنع سفر المرأة من دون محرم.
من ناحية، تحمل هذه التصرفات أسباباً سلطوية بحتة، ستهيمن على أجساد المواطنين وميولهم وأدق تفاصيل حياتهم، إخضاع وتدريب على الإذعان، وإذا كان من حق الدولة أن تمنع طالباً من احتضان طالبةٍ فمن حقها بالقوة أيضاً أن تمنعه من رفع لافتة معارضة.
ومن ناحية أخرى، تحمل أسباب المزايدة ضد خصومهم الإسلاميين، نحن إسلاميون أيضاً أكثر منكم، ومن ناحية ثالثة تتوسل هذه التصرفات مغازلة القاعدة الشعبية العريضة، فإذا غابت الشرعية الانتخابية ظهرت الشرعية الدينية والأخلاقية.
ليس الحياد خياراً، حتى لمن اختار ألا يُنظم أكثر من حفل خطوبة. منظومة القمع واحدة وشمولية، ومنظومة التحرّر واحدة وشاملة.