السيناريو الأسود والأسوأ

08 يناير 2017
+ الخط -
ثمّة ما هو مرعب في الشريطين المصوّرين اللذين أصدرهما تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) أخيراً، بما يتجاوز المشاهد الدامية الموجودة فيهما، إلى دلالاتٍ أكثر خطورةً يمكن الوصول إليها من وراء الشريطين، وترتبط باللحظة الراهنة التي يتعرّض فيها التنظيم إلى امتحان وجودي حاسم في معقله في الموصل، وفي مدينة الباب السورية.
الشريط الأول هو "حدثني أبي" عمّن يسميهم التنظيم أشبال الخلافة، بخاصة أبناء قتلى التنظيم الذين يتولى التنظيم وأعضاؤه تنشئتهم عقائدياً ونفسياً، وحتى عسكرياً، ويظهر هذا الشريط عملية غسل الدماغ Brain Washing)) التي تتم لهؤلاء المراهقين الصغار، وفكرة الانتقام لآبائهم القتلى المنسوجة فيهم نفسياً وفكرياً، والتدريب العسكري الشديد الذي تمرّسوا عليه، وأخيراً مشهد تنفيذهم عمليات إعدام بمن يعتبرهم التنظيم جواسيس ومرتدّين.
الشريط الثاني هو "موكب النور" الذي يقدّم فيه التنظيم صورا لأعدادٍ كبيرة من الانتحاريين، الذين قتلوا في المعارك الأخيرة في الموصل، ويتقن فيه اللعب على "المخيال الإسلامي" من إعادة إنتاج الصور الذهنية للصحابة، عبر شخصياتٍ تنتمي للتنظيم، مثل أحد الانتحاريين الذي يضع سيقاناً صناعية، ويستذكر قصة الصحابي الذي قال للرسول الكريم "أريد أن أطأ بعرجتي هذه الجنة"، ومسن آخر كان يبكي في الشريط، لأنّه لم ينجح بتنفذ عمليةٍ انتحارية في مفخخة، بعد أن تعطّلت. فالتنظيم يتلاعب بالرمزيات الدينية والتاريخية، ويعبث بالمخيال الاجتماعي لشريحة اجتماعية واسعة.
لكن، إذا تجاوزنا مضمون الشريطين (وثالث أصدره التنظيم لعملية حرق جنديين تركيين، وعملياته ضد القوات التركية أخيراً في مدينة الباب)؛ فما المقلق وما الخطير؟
المرعب أنّ هنالك استنزافاً في موارد التنظيم البشرية، خلال العام 2016، لثلاثة أسباب رئيسة؛ الأول التحول في الدور التركي، ما جعل من تركيا ليست محطة انتقال وعبور آمنة لأعضائه، وهنالك آلاف ممن اعتقلتهم السلطات التركية، وأعادتهم إلى دولهم، والثاني أنّ التنظيم خسر تقريباً الشريط الحدودي بين تركيا وسورية، والذي كان يستثمره جيداً في عبور المتطوّعين والمقاتلين الأجانب، والثالث الحروب التي دخل فيها التنظيم، وأدت إلى مقتل آلاف المقاتلين، في العامين الأخيرين.
يكفي التأمل بالإحصائيات التي يعلنها التنظيم نفسه، إذ أشار تقرير مفصل، صادر عن التنظيم، إلى قيامه بـ1112 عملية انتحارية، خلال العام 2016، فهذا العدد فقط لمن قاموا بعمليات انتحارية، بالإضافة إلى الكم الكبير من القتلى من التنظيم، وتجفيف موارده البشرية الخارجية. وذلك يعني أنّ التنظيم سيعتمد، في عمليات انتحارية ودفاعية لاحقاً، على من يسميهم "الأشبال" وعلى النساء الغربيات والعربيات في المواجهة مع القوات الغازية، وهو توجّه محزنٌ جداً ومؤلم، إلى أقصى مدى، وقد نرى نساءً انتحاريات ومقاتلات في حروب الشوارع المتوقعة، خصوصاً مع إغلاق المنافذ الممكنة، أو قناة الهروب لأعضاء التنظيم، كما كان يتم التخطيط سابقاً، فأصبح عشرات الآلاف من النساء والأطفال والمقاتلين المرتبطين به في الموصل، ولا خيار أمامهم سوى القتال حتى الموت.
بالضرورة، كان مثل هذا السيناريو المرعب متوقعاً لدى القوات الغربية والحكومة العراقية، لكن الجواب عليه هو: ما البديل؟ فلا يمكن السماح ببقاء دولة التنظيم التي استقبلت عشرات الآلاف من الرجال والنساء والأطفال، وتكوّن مجتمع جديد داعشي في هذه البقعة من الأرض، فالوقت يعمل لصالح "داعش"، وباتجاه تعزيز وتجذير وجودهم؟
سؤال في محله، لكنه يعيدنا إلى الأخطاء الجوهرية، بل الخطايا التي ارتكبت وما تزال في التعامل مع الأزمة السنية وملف "داعش"، من الحكومة العراقية والولايات المتحدة الأميركية والغرب، فكان المطلوب، كما شرح كاتب هذه السطور في مقاله "تفكيك داعش" في "العربي الجديد"، هو تفكيك التنظيم من الداخل، وتفكيك علاقته بالمسألة السنية، وإتاحة نقاط عودة وخروج لأعضائه، والأهم من هذا وذاك توفير البيئة السياسية المناهضة لدعاية التنظيم الإعلامية والسياسية.
ذلك للأسف لم يحدث، وما نراه اليوم سيناريو خطير، وفي حال نجا أطفال وصغار ونساء من عملية القتل الحالية في الموصل، ولاحقاً في الرقة، فإنّهم سيعودون إلى ديارهم، وهم محملون بفيروس الرغبة بالانتقام، وبعقول معجونة بالعقائد والأفكار المتشدّدة، مع عدم وجود فضاء بديل قوي يتحدّى تلك المعطيات، ويوفر حاضنةً نفسية علاجية حقيقية.
دلالات
محمد أبو رمان
محمد أبو رمان
أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأردنية والمستشار الأكاديمي في معهد السياسة والمجتمع.