ألغام أوباما لترامب

02 يناير 2017

أوباما فلسطينيا وترامب إسرائيليا في محل بالقدس (10/11/2016/فرانس برس)

+ الخط -
غريب سلوك إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في الأيام الماضية، فقد تبنّت مواقف واتخذت إجراءاتٍ غير تقليدية وغير مسبوقة في السياسة الأميركية. معروفٌ أن كل رئيس أميركي في عامه الأخير في البيت الأبيض يكون "بطّة عرجاء". ويفتقد الجرأة على اتخاذ أي قرار مهم، خصوصاً في السياسة الخارجية، تجنباً للانتقادات والحملات الدعائية المضادة التي تجيدها جماعات المصلحة وشركات العلاقات العامة، فضلاً عن المخضرمين من الساسة، خصوصاً في الكونغرس. ظل أوباما "يعرج" حتى ما قبل خروجه بشهر، ثم فجأة أخذ يتقافز هنا وهناك في ملفاتٍ مختلفةٍ، بقرارات وخطوات ليست متوقعة، وتحتاج إلى تفسير.
بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية الأميركية، وإعلان نتائجها، اتهم أوباما روسيا بمحاولة التدخل في العملية الانتخابية، والسعي إلى إضعاف موقف هيلاري كلينتون، بالتجسّس على المراسلات الإلكترونية لأفرادٍ في حملتها الانتخابية. ثم أقر فرض عقوبات على موسكو، انتقاماً من هذا التدخل. وفي الملف السوري، خرج أوباما، للمرة الأولى منذ بداية الأزمة، ليوجّه اتهاماً صريحاً لكل من موسكو وطهران ونظام بشار الأسد بالمسؤولية عن ذبح المدنيين في حلب، وأن دماء الضحايا الأبرياء هناك تلطّخ أيديهم.
أما القفزة الأكبر لأوباما، فكانت للملف الأخطر، أي الفلسطيني. فقد وصلت جرأة أوباما على اتخاذ مواقف غير معتادة وغير تقليدية أميركياً، إلى حد السماح في مجلس الأمن بتمرير قرار أممي يدين سياسة الاستيطان الإسرائيلية. في تصرّف غير مسبوق من أي إدارة أميركية منذ عام 1948، فجميع الإدارات الأميركية، على اختلاف انتمائها (ديمقراطية أو جمهورية) وتباين مواقفها التكتيكية من الصراع العربي الإسرائيلي، خصوصاً في مساره الفلسطيني، لم يجرؤ أي رئيس أميركي على إدانة إسرائيل، سواء سياسياً أو في قرار دولي. صحيح أن العلاقات بين أوباما ونتنياهو كانت سيئة للغاية، وأن تل أبيب ارتكبت، في فترتي رئاسة أوباما، انتهاكات يصعب الدفاع عنها أو تبريرها، إلا أن الصمت عن أفعال إسرائيل كان دائماً ملمحاً ثابتاً في السياسة الأميركية. وأقصى ما يذهب إليه أي رئيس أميركي هو فقط "العتاب"، وغالباً يكون غير علني، فما بالنا وهو رئيس مُغادر.
لذا، تتجاوز خطوات أوباما ومواقفه، أخيراً، حدود الرغبة في تسجيل موقف جديد، أو حتى تعديل سياساتها في الملفات المشار إليها، فبداهة السياسات غير قابلة للتعديل بهذا الأسلوب، فضلاً عن أن القادم إلى البيت الأبيض لا ينتمي إلى الحزب الديمقراطي، أي معروفٌ مسبقاً أنه لن يتقيّد بتوجهات سلفه، ولو أدبياً كما لو كان من الحزب نفسه.
تشكل تصرّفات أوباما وإدارته، في الأسابيع القليلة الماضية، كمائن تحيط بالبيت الأبيض، قبل دخول دونالد ترامب إليه. ويمكن بسهولةٍ ملاحظة أن أوباما زوّد تلك الكمائن بألغام متنوعة، من تشكيكٍ في شرعية ترامب، باتهام موسكو بالتجسّس والقرصنة الإلكترونية على الانتخابات، إلى وضعه في مأزقٍ قانونيٍّ وسياسيٍّ، فيما يتعلق بإسرائيل، خصوصاً في ملف الاستيطان.
يخشى أوباما الذي شارك العالم كله في الاندهاش لفوز ترامب من قرارات (وتوجهات) رئيسٍ يجمع بين عقلية اقتصادية وثقافة شعبوية ونزعة يمينية استعلائية. لذا، حاول استباق رئاسة ترامب بفرض أمر واقع، وتسكين نقاطٍ فوق حروفٍ بعينها، ربما ترشيداً لقرارات ترامب المتوقعة، أو توريطاً له، أو انتقاماً منه.. أو لهذه كلها!.
إنها عملية "تفخيخ" للبيت الأبيض، يودّع أوباما بها العالم الذي أغضبته نتائج الانتخابات الأميركية. وسيكون على ترامب أن يتعامل مع الفخاخ الأوبامية، ليس فقط بحذر هو بعيد عنه، وإنما أيضاً بحنكةٍ ومهارة، هو فعلياً يفتقدهما.
58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.