ابن عبد الناصر يقتل والده
ثلاث مناسبات في كل عام يثبت فيها الابن الأصغر لجمال عبد الناصر أنه يمشي على خطى أبيه بأستيكة، في الاحتفال بيوم مولده، ويوم رحيله، ويوم خرج زعيماً لتنظيم الضباط الأحرار في يوليو/ تموز 1952.
لا يترك "الأصغر" مناسبة منها من دون أن يفتح خزانة ملابس والده، ويستخرج قطعة يضعها على عبد الفتاح السيسي، ثم يهتف مثل أطفال الحارة "بابا رجع"، من دون أن يدري أنه، في اللحظة التي يحاول أن يستر السيسي فيها، بقميص والده، فإنه يعرّي تاريخ الأب، وينزله إلى مستوىً لا يرضاه له جمهوره.
في ذكرى وفاة عبد الناصر، قبل يومين، أسقط السيسي عن نفسه آخر ورقة توت، حين أعلنها بكل بجاحة: توسيع معاهدة استسلام مصر لإسرائيل، لتشمل كل الدول العربية. وفي حدود ما نعلم، لم يكن عبد الناصر مطبعاً، ولا سمسار تسوية، ولا احترف يوماً مهنة الخادم المعلن للمشروع الإسرائيلي الأميركي في المنطقة. غير أنه في اليوم نفسه، خرج عبد الحكيم عبد الناصر، بتصريحات يقول فيها إن السيسي هو بابا، وبابا هو السيسي، الذي جاء لإكمال مسيرة الوالد، وهي التصريحات البلهاء التي أطلقها الابن، غير البار، قبل شهرين، احتفالاً بذكرى الثالث والعشرين من يوليو/ تموز، وقد علقت وقتها بالقول "يريد عبد الحكيم، أصغر أبناء جمال عبد الناصر، أن يجامل عبد الفتاح السيسي، مقدماً وصلة تملق جديدة لمناسبة مرور 63 عاماً على ثورة يوليو/ تموز، فيقول إن ثورة أبيه مستمرة، حتى الآن، بقيادة عبد الفتاح السيسي. يقول عبد الحكيم من أمام ضريح عبد الناصر "عبدالفتاح السيسي يحاول وصل ما انقطع طوال الـ40 سنة" التي أعقبت وفاة والده، مشيراً إلى أن القيادة التي جاءت بعد ذلك، انقضّت على المكاسب التي حققها عبد الناصر، وهو ما جعل الشعب ينفجر، بعد ذلك، في عدة انتفاضات، واستمرت إلى أن جاءت ثورة 25 يناير و"30 يونيو".
لا يريد عبد الحكيم عبد الناصر أن يخيّب ظني فيه، ويثبت، كل يوم، صحة نظريتي فيه، بوصفه، الوحيد الذي لم يستفد من مجانية التعليم التي طبقها عبد الناصر.
لا أحد يدري سر هذا الإصرار من الابن الأصغر على قتل أبيه، في ذاكرة الذين يذكرون له موقفه الرافض للخضوع للإرادة الإسرائيلية، على الرغم من أخطائه وإخفاقاته الفادحة في موضوعات أخرى؟
يا عبد الحكيم: ما كان أبوك يقف مطأطئ الرأس، عيناه في الأرض، ضئيلاً، أمام رئيس دولة من العالم الثالث، ولم يكن يدور على المحافل الدولية، مصحوباً بتخت إعلامي، أشبه براقصات الأعراس والموالد، ولم يكن يقيس مستوى نجاحاته بعدد الصور التذكارية التي يطلبها حثيثاً، من كل من يقابله.
يا عبد الحكيم: ما كان عبد الناصر موصوفاً بأنه هدية السماء للدولة العبرية، حتى وإن كان عدواً سهل الانهزام بأقل التكاليف أمامهم، كما حدث في نكسة 1967، ولم يكتب عنه معلق في "جيروزاليم بوست" يوماً إنه "هدية مميزة من مصر لإسرائيل"، مثلما وصف كاتب صهيوني عبد الفتاح السيسي، أخيراً.
يا ابن عبد الناصر، أنت شخصيا قلت إن حاييم بارليف، رئيس الأركان الإسرائيلي الأسبق، اعتبر يوم وفاة جمال عبد الناصر عيدًا لإسرائيل ولكل يهودي، فكيف يستوي الذي كان مولده عيدا للصهاينة، مع من تقول إن موته كان العيد لهم؟
يا عبد الحكيم: عبد الناصر لم يكن عدوا للمقاومة الفلسطينية، صديقاً وحليفاً للصهاينة، ولم يكن يهرول إلى المؤتمرات الدولية مثل محرّر تحت التمرين، يتسول بطاقات الدعوة للحفلات والمنتديات، ويطارد المدعوين، لكي يلتقط صورة "سيلفي معهم".
يمكنك الرجوع إلى ألبوم صور الوالد، لتنظر كيف كان جيفارا يقف أمامه، قادماً من أقصى غرب الكرة الأرضية، أو بإمكانك أن تسأل شقيقتك الكبرى، هدى، هل هذا الذي أصبح ظهوره في أي مؤتمر دولي فقرة كوميدية لاذعة، يشبه أباك؟
اسأل هيكل، أو اسأل سامي شرف: هل كان والدك مفتعلاً وركيكاً، وهو يتصنع النعومة، مخاطباً شعبه، من خشبة المسرح التي يقف عليها المطرب هاني شاكر للغناء؟
يا عبد الحكيم: ارحم أباك، وارحمنا من عبقريتك السياسية الفريدة.