كيف تزوج الملك الملكة

29 مايو 2015

عبد الله الثاني ورانيا في حفل زفافهما (10 يونيو/1993/أ.ف.ب)

+ الخط -
ليس هناك عجيب وغريب في حكاية زواج الملك عبد الله الثاني بقرينته الملكة رانيا، كما نشرها أخيراً. ولكنْ، لأنها حكايةٌ تخصُّ ملكاً وملكة، فإن مقادير الجاذبية فيها غزيرة، لا سيما وأن سردَها جاء شائقاً، والأهم أن فيها تمنعاً طفيفاً بدت عليه الشابة العشرينية، رانيا الياسين، تجاه محاولة الأمير آنذاك التعرّف إليها جيداً، بعد أن صادفها في عشاءٍ في منزل إحدى شقيقاته بين صديقات وأصدقاء. وأنْ يروي الملك نفسُه الحكاية، فذلك مما يضاعف أسباب الانجذاب إليها، وقد يجعل قارئها يتخيّل وقائعها، ويبني مسارها منذ تلك المصادفة إلى الزواج، مروراً بإجراء الأمير مكالمةً هاتفية مع الشابة التي صادفت هوىً لديه، ثم توسيطه صديقاً مشتركاً لهما، عساه يقنعها بالتجاوب مع طلبه تعارفاً طيّباً. وعلى ما يسرد نجل الحسين ملك البلاد، أخفق ذلك الصديق، واسمه توفيق قعوار، في مسعاه، ليكتشف الأمير، تالياً، أن رانيا تحب الشوكولاته، فيرسل إليها علبةً من صنفٍ بلجيكي، يكون أثرها أجدى من تلك الوساطة، بدليل موافقة الشابة الأردنية (تشير الحكاية إلى أرومتها الفلسطينية)، على تلبية دعوته لها إلى عشاءٍ أعدّه بنفسه. 

أُعجب الأمير، كثيراً، في تلك النظرة الأولى، بجمال الشابة التي ستصير زوجته لاحقاً، والتي اندهش الملك حسين "بما شعّ منها ذكاءً وسحراً وجمالاً"، لمّا رآها أول مرة، بتعبير الملك عبد الله الثاني في كتابه "فرصتنا الأخيرة"، قيد الصدور. يقول إن رانيا أبلغته، في مكالمته الهاتفية الأولى معها، بأنها "سمعت عنه أشياء ..."، غير مرضية، بحسب ما يوحي التعبير المجتزأ، غير أنه يُخبرها، ويخبرنا، بأنه ليس ملاكاً، غير أن نصف ما سمعت أقاويل فارغة. كأَن الملك أراد إخلاصاً للقصة الكلاسيكية، ذات السمت التقليدي في قصص الحب من النظرة الأولى، فيخبرنا، نحن القراء، بأن كلامه ذاك لم يبدُ أن رانيا اقتنعت به. كان ذلك قبل وساطة قعوار، وقبل العشاء الذي سارت الأمور بعده إلى حلحلة "العقدة" التي تبدو، هنا، متطلباً ناجحاً في قصةٍ من هذا الطراز، غير الملكي في عاديّته، والملكي في الوقت نفسه إلى حدٍّ فادح، فذاك المتكلم في الهاتف، والراوي العليم بضمير الأنا في القصة، هو ملك الأردن الراهن، كما أن رانيا هي الملكة الآن. 

تُرى، هل نقرأ الحكاية، وفي أفهامنا أنه لم يكن في علم بطليها أنهما سيصيران ملكيْن، فولي العهد كان شخصاً آخر، هو الأمير الحسن، الذي أُزيح من موقعه ذاك بعد أن أنفق فيه خمسة وثلاثين عاماً، قبل أيام فقط من وفاة الحسين؟ هل كانت ستختلف بعض وقائع القصة، لو أن العرش كان محسوماً للأمير الضابط في الجيش؟ تبدو أي إجاباتٍ عن السؤالين، وغيرهما، بمثابة عناصر مضافة، يتخيّل بواسطتها قارئ القصة تفاصيل يصوغها كما يشاء، كما لو أنه شريكٌ في كتابتها، لا يكتفي بتلقيها كما أراد راويها أن تكون، وهو العاهل الأردني عبد الله الثاني الذي ذكر أن والده كان، منذ سنواتٍ قبل لقائه رانيا، يحثه على الزواج (والاستقرار!). وذكر أنه نسي كثيراً مما قاله الحسين لوالد رانيا، لمّا طلب يدها زوجةً لنجله.

أظننا لم نصادف نصاً مثل هذا، فقصص الملوك عن زيجاتهم (وطلاقاتهم) متروكةٌ لخيال الناس وشائعاتهم وثرثراتهم، وإنْ يحدث تطعيم هذه وتلك بتصريحاتٍ شديدة الاقتضاب من أبطال هذه القصص وصنّاعها. وكان لافتاً أن الملكة نور هي من روت، في كتاب عن سيرتها، قصة تعرّف الملك الحسين إليها، ثم زواجهما. كان حديثها عنه بالغ الحميمية، وقد حكت تفاصيل شائقةً غاية في الجاذبية، غير أنها تُصارح قرّاءها بأنها لا تنكر، أنها ساعة زواجها الملك، الأب لثمانية أبناء حينها، لم تكن مرتاحةً لأن تكون زوجةً رابعةً للملك، أو لأي شخص آخر. 
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.