هامش على خبر عراقي

18 أكتوبر 2022

(إسماعيل الشيخلي)

+ الخط -

استوقفَ مثقفين عراقيين أن محمد شيّاع السوداني، الذي جرى تكليفُه برئاسة الحكومة المرتقبة في بلدهم، جاء في كلمته، عقب هذا التكليف، على غير أمرٍ وأمر، وتعهّد بأن تعمل حكومتُه قيد التشكيل على غير شأنٍ وشأن، إلا أنه لم يأتِ قط على موضوعة الثقافة. لم ترِد في كلمته هذه المفردة مطلقا. لم ينسَ الرجل معالجة الآثار البيئية والتصحّر، ولا قطاعَ الشباب والرياضة، و"تمكين المرأة وضمان حقوقها"، وهو يسترسل في الكلام عن "قُصارى" جهدِه الذي سيبذلُه، وعن عملِه الذي سيؤدّيه "بكل تفانٍ وإخلاص" في التصدّي للمشكلات والأزمات المتراكمة، وفي مقدّمتها، على ما قال، نقص الخدمات والفقر والتضخّم والبطالة، وكذا العمل على تحسين الواقع الصحي والتربوي والتعليمي، وتنشيط قطاعات الصناعة والزراعة .. إلخ. وليس في الوسع هنا إلا أن يتمنّى واحدُنا التوفيق للرجل وفريقه الوزاري وزملائه في الحكومة التي استعصت على التشكيل منذ عام، وأن تنجَح حقا في تحقيق الوعود والتعهّدات التي بشّرت بها كلمتُه العراقيين، في القضايا التي ذكَرها، وهي ذات أولوياتٍ ملحّة لا يُساجل عاقلٌ في وجوب أن يتنكّبها كل صاحب موقعٍ مسؤولٍ، بتأدية واجبه مثلا في تلبية مطالب الشباب العراقي، والحدّ من الفقر والبطالة، وتنشيط مرافق الدولة وقطاعاتها. وقد ظلّ من تقليديّ مواسم تشكيل الحكومات في العراق (وغيرِه) أن يمرّر الرئيس المكلف، في بيان طلب الثقة من البرلمان، أو في كلمته إلى مواطني بلده، عن مشاريع حكومته وبرامجها،  بعضَ سطورٍ عن تعهداتٍ ستباشر تنفيذَها في قطاع الثقافة، ولو من قبيل الإيحاء باكتراثه بهذا الشأن، ولئلا يستشعر العاملون في هذا القطاع، وكذلك منتجو الأدب والفنون، بأنهم مغيّبون حتى من "إنشائيات" الحكومات ووعودها اللفظية.
مؤكّدٌ أن الحكومة العراقية قيد التأليف ستتضمّن وزارة للثقافة، ليس فقط لأن هذا أمرٌ تقليديٌّ ومعتاد، وإنما لضرورتها ولحاجة البلاد إليها. وإذا حوفظ على دمج السياحة والآثار مع الثقافة في وزارةٍ واحدةٍ (للتوفير، أم ثمّة رؤيةٌ ما في الأمر؟)، كما الحال في حكومة مصطفى الكاظمي قيد الانصراف، فإن هذا سيعني أن محمد شيّاع السوداني إما أنه مطمئنٌ تماما لأن أمور متاحف الآثار والتراث المادي في العراق على أفضل ما يرام، ولا مشكلات تغالبها، فلا داعي لكلامٍ متزيّدٍ عنها بوعودٍ لا حاجة لهذه المؤسّسات لها، أو أنه لا يعرف حقّا الأهمية الحيوية والاستراتيجية الكبرى لقضية حماية تراث العراق الغنيّ والمتنوّع. ولمّا كان قطاع الثقافة متعدّدَ المرافق، فإنه يتطلّب بداهةً كفاءاتٍ في تسييره وتفعيله، وفي إنجاز مردودٍ عالي القيمة والأثر منه. وذلك إذا ما ابتعد الحديث، إجرائيا، عن مسألة الآثار والمتاحف، وعن حاجة مواقع غير قليلةٍ في العراق للترميم، أي إلى موازناتٍ كافيةٍ، وإداراتٍ تخطّط لهذا وتشرف على تنفيذه وتتابعه، وقد أشار وزير الثقافة والسياحة والآثار في الحكومة المنصرفة، حسن ناظم، غير مرةٍ إلى شيءٍ من هذا. وهو الوزير الذي يستحسن مثقفون عراقيون عديدون بقاءَه في الحكومة المنتظرة، وهو الأستاذ الجامعي (في بلده وفي الولايات المتحدة سابقا) والناقد الأدبي والمترجم، وجاء تعيينُه في منصبه من خارج الأحزاب والمحاصصات، الطائفية وغيرها. وقد اجتهد في عمله، وتحدّث عن فسادٍ وترهّل إداريٍّ ثقيل في الوزارة، وبدا صاحب منظورٍ ورؤيةٍ في إدارته شؤون الوزارة. 
يشمل قطاع الثقافة المسارح والنشر الحكومي والسينما والمهرجانات والمناسبات والتظاهرات والمواسم الثقافية والفنية. والشغلُ في هذا كله، وغيره، يستلزم بداهةً جهدا كثيرا ورؤىً وسياساتٍ وبرامج تُراكم على منجزاتٍ متحقّقةٍ وأخرى تنتظر. وليس من المنطق في شيءٍ، ولا من المعقول أبدا، أن يتجاهل محمد شيّاع السوداني هذا كله، ويؤذي في فعلته هذه جمهورا عريضا من المثقفين ومنتجي الفنون والإبداعات، وكذا المشتغلين في شؤون الثقافة والفنون والتراث (شكا الوزير ناظم من تضخّم الكادر البشري في وزارة الثقافة)، عندما ينساهم، ويتغافََل عن وجودهم في الدولة والمجتمع. 
ليس في محلّه تماما ذلك الكلام، الشعبويّ في جوانب منه، عن عدم تأدية وزارات الثقافة العربية شيئا، وعن انعدام ضرورةٍ لوجود وزارة للثقافة في العراق. ليكن النقد مصوَّبا إلى التقصير في العمل، إلى أي مظاهر قصورٍ وفوضى وفساد، أما هذا فكلامٌ ركيك، أما ما فعله رئيس حكومةٍ منتظرةٍ في العراق فمعيبٌ حتما.

معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.