ميركل أم الملا فضل الله؟

ميركل أم الملا فضل الله؟

29 ديسمبر 2014

ميركل شخصية "التايمز" وفضل الله فصل شنيع في 2014

+ الخط -
لها، صحيفة التايمز البريطانية، أن تختار المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، شخصية العام 2014، "لجهودها في تقوية الأمن الأوروبي، وتعزيز الحوار بين الغرب وروسيا"، غير أن ثمّة اجتهاداً آخر، يمنح زعيم حركة طالبان باكستان، الملا فضل الله، هذا اللقب، لاجتراحه، في أواخر هذا العام، جريمة شديدة الفرادة في وحشيتها، وفي شذوذها عن منطق الجرائم التقليدي، فقد أمر بقتل تلاميذ، باكستانيين مثله، في صفوفهم في مدرسة في بيشاور، وامتثل رجاله لأمره بالغ الوضوح، وهو قتل التلاميذ قصداً، مستحسناً الرصاص مباشرة على رؤوسهم، ففعل ثمانيةٌ من عناصره ما أراد، وزادوا على الإجهاز على 132 تلميذاً في المدرسة أنهم أماتوا معلمةً حرقاً، وأفيد بأن مائة تلميذ أصيبوا بجروح متنوعة. ولأن دماغ الملا فضل على هذه السوية من الشناعة، فإن أنسجته تستحق أن تدرس بكيفيةٍ خاصة، كما أدمغة عناصر "طالبان باكستان" الثمانية الذين أطاعوا ما وجّه به زعيمهم، فتنقلوا من صف إلى صف في المدرسة المنكوبة، وقاموا بالمطلوب، وكان الأمر واضحاً، أن يقتلوا أكبر عدد من التلاميذ في المدرسة التي تضم نحو 500 فتى، وهم أبناء عسكريين في الجيش الباكستاني.
لصحيفة التايمز أن تنتقي أنجيلا ميركل بين شخصياتٍ كان لها منجزاتها في 2014، ولنا نحن المسلمين (نعم المسلمين) في عالمنا الإسلامي السعيد أن نفاضل بين الأفظع والأقل فظاعةً في العام الذي يستعد للانصراف، مقتلة جماعة (مولانا!) فضل الله في بيشاور أو قتل مجموعة من "القاعدة" في مدينة رادع في اليمن 15 تلميذة في حافلة في تفجير إرهابي، مساء يوم الجائحة الباكستانية. ولنا أن نضيف إلى هؤلاء وأولئك "بوكو حرام" الإسلامية في نيجيريا، وما تبدعه من رزايا ونوائب، من جديدها، في مختتم العام، تجنيدهم فتاة في الرابعة عشر عاماً، للقيام بتفجير انتحاري في مستشفى. لنا، إن أردنا أن نتملّى في سيرتي الملا فضل الله وأبو بكر البغدادي، لعلنا نلحظ نوبة إنسانيةً لدى أيٍّ منهما، وفي البال أن الزعيم الباكستاني المذكور، وهو شاب مسلم ملتح (38 عاماً) مولعٌ بإحراق المدارس، وقد أقدم، مراتٍ، على ذلك في إمارته الإسلامية في سوات، ورجاله هم من استهدفوا تلميذات في قريةٍ هناك، قبل عامين، وكانت منهن ملالا يوسف زاي التي احتفل العالم، في أوسلو، بنيلها جائزة نوبل للسلام، قبل أَيام من جريمة مدرسة بيشاور، والتي أشرف عليها نائب فضل الله بكفاءةٍ ميدانية، أوضحت، من بين كثيرٍ دلت عليه، أيَّ بلد هي باكستان التي قضى فيها 60 ألفاً في حروب مع طالبان المحلية.
هل من خيالٍ، أو قريحةٍ، في وسعهما أن يصورا الجزع المهول الذي كان عليه تلاميذ المدرسة الباكستانية، لما أمطرهم رجال فضل الله بالرصاص، فطاحت الدماء منهم على دفاترهم، وتوزعت الأشلاء في المكان؟ يعجز أي درسٍ، أو تحليلٍ، بشأن التطرف الديني الإسلامي، عن تشخيص الفهم الذي يتفشّى في مدارك أولئك المجرمين عن إسلامٍ، لا نعرفه، يجيز مشهداً مثل هذا، والذي عرف 2014 تنويعاتٍ متفاوتةٍ مثله، في غير بلد إسلامي، سواء كان من أقدموا على جرائم الفتك بالناس، في منازلهم وأمام المخابز وفي المستشفيات مثلاً، كانوا من داعش أو النصرة أو شبيحة الأسد أو عصائب الحق أو أي من متشابهات كل هؤلاء، في العراق وسورية ونيجيريا واليمن وأفريقيا الوسطى وباكستان وأفغانستان، أمثلة. ولأن هذا الحال، بكل تفاصيله الفظيعة، كان الأكثر وضوحاً في 2014، والأشد ظهوراً، فلماذا، إذن، لا يكون لصنّاعه، ولأترابهم، حصة من الألقاب التي يمكن خلعها على نجوم ومشاهير، في غير شأن في العام الذي يمضي. صدوراً عن هذه القناعة، يجوز ترشيح الملا فضل الله شخصية 2014.



دلالات

معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.