ملكية دستورية عسكرية مهلبية!

ملكية دستورية عسكرية مهلبية!

09 مارس 2021

(محمد عبلة)

+ الخط -

مناقشات لا تنتهي، لكنها في الحقيقة لم تبدأ بعد. هذا ما يخبرك به "كلوب هاوس"، في بعده السياسي، مناقشات عن الدولة، ماهيتها، وشكلها، وعلاقة الدين بها. تستمر ساعات وأحيانا أياما، ولا تبدأ! هل الدولة الإسلامية دينية أم مدنية؟ هذه ليست نكتة، ليست فقرة في "جو شو". هذا سؤال، هل الدولة التي ينادي بها الإسلاميون، هنا (في مصر)، والآن (في القرن الحادي والعشرين) دينية، تستدعي الدين، وتحكم به وله، أم مدنية، تحيده؟ والإجابة أنها مدنية.. ولكنها إسلامية.
أتحدّث هنا عن نقاشات النخب، الإسلاميين والليبراليين وغيرهم، أسماء بارزة ومهمة وممثلة، بشكل ما، تياراتها. مدنيةٌ بمرجعية إسلامية، هذه الخلطة التسعيناتية، التي صحّت نظريا، وقتها، وتجاوزها واقع التطبيق، سواء في مصر، عام حكم "الإخوان"، أو غيرها، ما زالت تجد طريقها عبر غرف "كلوب هاوس". الفارق أن من يردّدونها الآن هم من وصموها في التسعينيات، واتهموا أصحابها بالعمالة والخيانة والتفريط، وتفريط الأمس هو دين اليوم (وكله ماشي).
تنعكس نقاشات النخب على الشباب، خصوصا جيل الألفية الجديدة، تتحدّث إحدى الغرف عن الدولة الحلم. الإجابات ظاهرها الكوميديا وباطنها المأساة، ليس لأن الشباب يطالبون بدولةٍ دينيةٍ أو عسكرية، ولكن لأن نقاشات الدولة يحضر فيها كل شيء إلا الدولة، الأحلام، والهلاوس، والطهرانية، والنوستالجيا، والتعريفات المضلّلة لكل أشكال الدولة التي عرفها الفكر السياسي، قديمه وحديثه. تخبرك الإجابات بأن سخرية النظام من معارضيه، ومستوى معرفتهم بالدولة، ما هي؟ وكيف تدار؟ قد تكون لها وجاهتها، على الأقل في ما يتعلق بالخطاب الأكثر صخبا، والأكثر حضورا، والأكثر ادّعاء للثورية، والأكثر مزايدةً على الجميع، إلا نفسه.
تستحق بعض الإجابات التدوين، والتأريخ، ليس للتندّر، وإنما للتدبّر، واكتشاف موطن الحقيقة في غربة الخيال، شاب عشريناتي، من أبناء "فيسبوك"، وصفحات مصر زمان، والملك فاروق، ومصر قبل الغزو الوهابي، يجيب (بجدّية تامة): جرّبنا كل شيء، الاشتراكية، والليبرالية، والعلمانية، والإخوان المسلمين، لم ينجح أحد. نريد العودة إلى الأصل، نريدها ملكيةً دستوريةً، يسأله "الموديريتور": ومن أين ستأتي بملك الآن؟ فيقول: من المجلس العسكري طبعا. شابٌّ آخر جمع بين حماسه الديني والثوري، فظل عشر دقائق يتحدّث عن الحريات العامة، والحريات الشخصية، وحياد الدولة، ووقوفها على مسافة واحدة من الجميع، ووصل الأمر إلى المايوهات على الشواطئ، والقبلات في الشوارع، ثم أنهى تعليقه: أريد ذلك كله بمرجعية إسلامية.. (ولم يطلب بابا غنوج).
لا يختلف الأمر كثيرا في الصفحات التي تناقش العلمانية ومدى فاعليتها في مصر، أو غيرها. الحقيقة أن مستوى معرفة علمانيين كثيرين في مصر بالإسلام شيء موجِع حقا. لا أعني هنا الإسلام في أبعاده المعرفية التفصيلية، ولا أطالب سياسيا بأن يتحوّل إلى فقيه، لكي يتحدّث عن علاقة الدين بالدولة. أتحدث عن الثقافة الإسلامية في أبسط صورها، تلك التي يحصلها مثقفٌ متوسط، من مجرّد وجوده في مصر، ومعايشته أحداثها وتفاصيلها، وقراءته كتّابها وأدباءها المهتمين بالشأن العام. يتصوّر علمانيون، ليسوا قليلين، مع الأسف، أن الديمقراطية تجد مقاومةً من الإسلام نفسه، وليس من الإسلاميين، وأن الإسلام، بألف ولام التعريف، يتعارض مع الديمقراطية والحريات، وأن محاولات التوفيق بين الإسلام والديمقراطية محض خيال ونفاق!
لا يمكنني هنا أن أتحدّث عن وعي تسعيناتي تجاوزه الزمن. الحقيقة أن كل ما شهدته حقبة التسعينيات، من خطابات علمانية "جادّة"، لم تصل إلى هذا المستوى من "الغياب" عن الديني والدنيوي، حتى الخطابات السجالية التي جاءت ردّ فعل على خطابات الوصم لدى الإسلاميين، وحملت "نَفَس" المناظرة وتكسير العظام، لم تصل إلى حد الادعاء على "النصوص" بأنها مناقضةٌ للديمقراطية وحريات البشر وحقوقهم. وإذا أردنا قراءاتٍ تنتصر لهذه الرؤية العدوانية، وتبرّرها، فلن نجدها، في تقديري، إلا عند الدواعش وأشباههم. هل يعني ذلك أنه لا فائدة؟ طبعا لا، لكنه يعني (للجميع) أنه لا يمكننا أن نصل إلى المستقبل ونحن نسبق خطوة الواقع .. "يا واش يا واش".