مع خالدة جرار

مع خالدة جرار

06 ابريل 2015

خالدة جرار... رفضت قرارا إسرائيليا بإبعادها من رام الله

+ الخط -

ليس خبراً اقتحام قوة إسرائيلية منزل النائب الفلسطينية، خالدة جرار، في البيرة، فجر الخميس الماضي، واعتقالها، وحبسها في زنزانة انفرادية، قبل نقلها إلى معتقل هشارون. هذا مسلك من المألوف أن تقترفه سلطة الاحتلال في المدن والبلدات التي تتبع سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني الإداري المحدود، ومن المألوف، أيضاً، أن ترد منظمة التحرير ومؤسسات السلطة الوطنية، وكذا عموم الفصائل الفلسطينية، على هذه الجريمة الصهيونية، التقليدية، بحزمةٍ من بيانات التنديد، وإن جاء بيان المنظمة أمضى لغةً، ليس في وصفه اعتقال جرار بأنه عمل إرهابي احتلالي، بل أيضاً بدعوته إلى "حملةٍ وطنيةٍ ودوليةٍ ضد هذه الجريمة الإسرائيلية". وللتذكير، كانت سلطات الاحتلال قد أصدرت أمراً بإبعاد المناضلة والناشطة الفلسطينية من رام الله إلى أريحا، "لأنها تشكل خطراً أمنياً شديداً على إسرائيل"، ولما أُبلغت به، في أغسطس/آب الماضي، رفضته جرار فوراً، باعتباره سابقة عنصرية، لا يمكن للفلسطيني أن يمتثل لها في وطنه.

أن يكون التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية حاجةً إسرائيلية، لكلفته المعنوية الباهظة في الحالة الفلسطينية، فذلك لا يعني أن أجهزة الاحتلال ليس في وسعها، من دونه، أن تقترف ما تشاء من جرائم الخطف والأسر، ومن استباحة منازل الفلسطينيين. واقعة النائب خالدة جرار دليل جديد على هذه البديهية، ومن دلالاتها الظاهرة، أيضاً، أن الفلسطيني المقاوم، أياً كان انتسابه إلى هذه الحركة أو تلك الجبهة، عرضة لاستهداف الاحتلال في أي وقت. والسيدة جرار، عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، مناضلة مدنية جسورة، في الدفاع عن حقوق المواطن الفلسطيني، وعن الأسرى، وقد ترأست مؤسسة الضمير لرعاية الأسرى والمعتقلين، وظلت دائمة الحضور في المظاهرات والمسيرات الفلسطينية. ولأنها مبادرةٌ دائماً في نشاطها المدني المقاوم، فإن إسرائيل لن تستهين بالمسار الكفاحي الذي تقيم عليه، مع رفيقاتها الكثيرات، ومع جمهرة المقاومين الفلسطينيين الخلاقين في فعاليات مناهضة الاستيطان ومصادرة الأراضي وجدار الضم العنصري وعموم جرائم الاحتلال. وكلهم من حساسيات سياسية متنوعة، لا يندفعون إلى حركيتهم المدنية صدوراً عن انتماءات وحسابات فصائلية، بل هي قناعتهم بأن في مقدور الفلسطيني أن يبتكر مناشط متعددة في مواجهة إسرائيل، وهذه لن تتورع عن ملاقاة تلك الروح الكفاحية بقتل الفتحاوي زياد أبو عين وبأسر اليسارية خالدة جرار، مثليْن لا غير.

لا دلالة في أن اختطاف جرار جاء بعد أداء الكنيست الإسرائيلي الجديد اليمين، استهلالاً من سلطات الاحتلال ولايته، ولا دلالة في أن الجريمة جاءت فور قبول فلسطين عضواً في محكمة الجنايات الدولية، فهذا الربط الميكانيكي وذاك يُحسب شطارة لدى المعلقين في الجرائد والفضائيات، أما إسرائيل فلم تحفل يوماً بمواقيت وحساباتٍ من هذا النوع، خصوصاً إذا ما تعلق الأمر بشأنٍ بالغ العادية، من قبيل أسر فلسطيني من منزله على مبعدة أمتار من مقر رئاسة السلطة الوطنية، ومن قبيل "الدفاع عن النفس" المألوف، باغتيال الأمين العام للجبهة الشعبية السابق الشهيد أبو علي مصطفى في مكتبه في رام الله، وسوق خلفه في قيادة الجبهة، أحمد سعدات، من حبس فلسطيني إلى معتقل إسرائيلي، ومن قبيل قتل الأسير ميسرة أبو حمدية في السجن، وقتل محمود المبحوح في عملية استخبارية معلومة في دبي. وفيما يقيم الحال الفلسطيني، الرسمي المؤسساتي خصوصاً، في القاع، وفيما الحال العربي يتدحرج من خراب إلى خراب، لا ترى حكومات إسرائيل نفسها مضطرة إلى الاكتراث بالانفعالات الفلسطينية العابرة إبّان تلك الوقائع وغيرها. ولكن، ليس هذا حالنا منفعلين وغاضبين، لأن أرواحنا هناك، مع خالدة جرار التي تنتصر فلسطين بها، وهي التي تخاف إسرائيل منها، حماها الله.

معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.