ماذا قصد بلينكن بعدم توسيع الحرب؟

ماذا قصد بلينكن بعدم توسيع الحرب؟

14 يناير 2024

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في مطار العلا شمال غرب السعودية (8/1/2024/فرانس برس)

+ الخط -

كانت جولات وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، في الشرق الأوسط بعد هجمات 7 أكتوبر، الأوسع له في المنطقة، فقد شملت، بالإضافة إلى إسرائيل، دولا عربية، كالأردن وقطر والسعودية والإمارات ومصر، ولكنه توقّف في إسرائيل أولا، واستمع بحرقة إلى شاهدة عيان تحمل جنسية مزدوجة إسرائيلية أميركية نجت من هجمة "حماس" في ذلك اليوم، وهي تصف باكية ما جرى لها. أبدى بلينكن تعاطفا جارفا مع إسرائيل، وقال بحماس مخاطبا نتنياهو: قد تكون قويا بما يكفي للدفاع عن نفسك، ولكن طالما أن أميركا على قيد الوجود لن تكون مضطرّا إلى ذلك، سنكون دائما هنا إلى جانبك.. كان خطابا قويا وجدّيا، فقد أمدّت أميركا إسرائيل بالسلاح، وبدعم غير محدود في مجلس الأمن، وكانت ممانعتها قوية لمحاولات فرض وقفٍ لإطلاق النار. وفي زيارته الرابعة، وتضمّنت الدول السابقة نفسها (والبحرين)، كرّر بلينكن موقفه المساند للحرب الإسرائيلية في غزة، مع إشارة إلى رغبة الولايات المتحدة في تهدئة الموقف، من دون أن تخفي خشيتها المبدئية من تمدّد الصراع ليشمل دولا أخرى، وقد كان هو نفسه يهرع إلى المنطقة بعد كل تصعيدٍ يُخشى منه امتداد الصراع.

كانت موضوعات رحلة بلينكن الأولى ضمان اقتصار الحرب على غزّة ودعم إسرائيل إلى أقصى حد، ولكن ثلاثة أشهر مرّت على الحرب، من دون أن تقدّم إسرائيل تصورا لنهايتها، وترغب الولايات المتحدة في وضع ترتيباتٍ لما بعدها، ولذلك علا صوت بلينكن متحدثا عن إعادة الإعمار وعن دور بعض دول الإقليم في إدارة القطاع، بما يعني أنه يرى نهايةً قريبة للحرب، وجاء ليرتّب سيناريو ما بعد توقّفها. ضمّن بلينكن كلامه في هذه الزيارة حديثا عن دولة فلسطينية، وحديثا عن حلّ الدولتين الذي كان يعتبر تقليدا قديما يعود إلى أيام قرار التقسيم، لكنه اختفى من الأفق السياسي فترة، ويعود حاليا على لسان كبير الدبلوماسية الأميركية، ويُكرّر على مسمع رئيس الوزارة التي تعتبر الأكثر تطرّفا في تاريخ إسرائيل. لهجة بلينكن جديدة نوعا ما، وتختلف بمحتوياتها عما كان الوزير يأتي به في زياراته السابقة قبل أربعة أشهر.

لم تُخف الولايات المتحدة، منذ اليوم الأول للحرب، خشيتها من اتّساع الصراع، وبدت غير راغبة في الدخول مسلّحةً إلى الإقليم مرة ثانية، بعد أن شهدت السنوات العشر الأولى من القرن الحادي والعشرين دخولا مجلجلا للقوات المسلحة الأميركية في المنطقة، وجاهدت بعد ذلك طوال عقد كامل محاولةً الخروج، وقد نفذت انسحابات عدة، مع إرسالها إشاراتٍ عن عدم الرغبة في العودة. لذلك بذل كبير الدبلوماسية الأميركية كل ما يستطيع، ليجعل الحرب مقتصرة على غزة، ويطرح حلولا بسقوف شديدة الارتفاع، وعلى مسمع من الحكومة الإسرائيلية المتطرفة ليخفّف من جنونها ورغبتها في مزيد من الحرب، ما دفعها إلى اتباع تكتيك جديد بتسجيل نقاط حاسمة أمام حزب الله، عندما قتلت، وفي قلب مربعه الأمني، واحدا من قيادات "حماس" في الخارج، ثم عادت لتقتل قيادات أخرى في جنوب لبنان. وتدرك إسرائيل أن اغتيالاتٍ من هذا النوع لا تؤثر على شكل المعركة، إنما يمكنها أن تثير حزب الله ليعطي حجّة تشعل الحدود كلها.

غادر بلينكن المنطقة، منهياً زيارته الرابعة، وما زال صدى كلماته عن إعادة الإعمار وإعادة بناء غزة، مع إظهار حرصٍ على المدنيين، وحرص أكبر على عدم التوسيع، ليستيقظ العالم في اليوم التالي على خبر الهجوم الواسع الذي طاول مواقع عدة للحوثيين في اليمن، ومع تهديدٍ عالي اللهجة بعدم التعرّض لأمن مضيق البحر الأحمر، شريان التجارة الهام، ويبدو بعد هذا التوسيع الفعلي الذي طاول إلى أبعد نقاط الصراع أن علينا انتظار زيارة بلينكن الخامسة، لنتمكن من إعادة قراءة ما قاله.