كيف نجرؤ على لوم الضحايا؟

كيف نجرؤ على لوم الضحايا؟

30 سبتمبر 2022
+ الخط -

فُجِع لبنانيون وفلسطينيون وسوريون قبل أيام بغرق قارب الهجرة الذي انطلق من شمال لبنان، وعلى متنه العشرات. عددهم النهائي غير معروف. لعنة الحظ جعلت القارب المنكوب يغرق قرب السواحل السورية. وكأن محنة واحدة لا تكفي الضحايا وأهاليهم. الأخبار التي خرجت بشأن الناجين، الذين لم يتجاوزوا العشرين من أصل أكثر من مائة شخص، لا تبشّر بخير كثير تحديداً لمن ليسوا لبنانيين بعد تداول أنباء عن اعتقال سوريين وفلسطينيين للتحقيق معهم. فوق ذلك كله هناك من انبرى للوم الضحايا، بعد أن اندثرت عائلاتٌ بأكملها بموت جميع أفرادها. لكن كيف يجرؤ بعض الناس على فعلة كهذه؟ .. كل التبريرات التي صيغت لإدانة الضحايا بالحديث عن التهوّر واستسهال الموت واقتراح استثمار الأموال التي دفعت للمهرّبين في مشاريع صغيرة ساقطة.

الذين قضوا غرقاً أو نجوا هم ضحايا فقط. ضحايا الأنظمة التي يعيشون تحت رحمتها وأرادوا الهروب منها سواء في سورية أو ولبنان. هم ضحايا الرغبة في البحث عن حياة أفضل، حتى لو كانت تتضمن مقامرة عنوانها الموت. .. فما الذي تبقّى للبناني الذي يعيش بلا كهرباء ولا ماء ولا طبابة وعاطلا عن العمل، أو راتبه لا يستطيع أن يكفي قوت عائلته ليوم لا أكثر، ويكتفي بمشاهدة أبنائه جوعى ومحرومين من التعليم؟ وما الذي تبقّى للاجئ الفلسطيني المحروم من جميع الحقوق الأساسية في لبنان الذي يعدّ بمثابة سجن كبير يعيش فيه بانتظار المجهول؟ وما الذي تبقى للسوري الذي هرب من بطش نظام الأسد وجاء إلى لبنان لتطارده العنصرية والكراهية ومساعي إعادته قسراً ليُعتقل في أقبية النظام أو يقتل في غارة؟

لكل هذه الأسباب، ليس صادماً أن يختار أب وأم أن يهاجرا برفقة جميع أطفالهم، يخوضون هذه المخاطرة سوياً، فإما أن يعيشوا جميعاً وإما أن يموتوا مع بعضهم بعضا. كما ليس صادماً أن يبيع المهاجرون آخر ما يمتلكونه في بلدهم، سواء منزل أو أرض أو أثاث منزلي أو ذهب أو حتى سيارة ليحاولوا الخلاص من هذا البلد.

تحولت البلدان الأوروبية منذ سنوات إلى حلم لشباب المنطقة، وليس لبنان أو سورية فقط، رغم المخاطر الكبيرة التي تحمِلها محاولة الوصول عبر قوارب الموت، ورغم إدراكهم أن الوصول إلى أوروبا لا يعني أن أبواب النعيم ستُفتح مباشرة لهم.

من يقرّرون الهجرة عبر البحر المتوسط، الذي يعد أكثر طرق الهجرة خطراً في العالم بحسب الأمم المتحدة، يدركون أن احتمال الموت واردٌ، لكنهم ربما لا يعون أنه المرجّح، لأن القوارب التي تنقلهم غير مجهّزة لنجاتهم في الأساس. وغالباً، ما يُحشر فيه أضعاف العدد المسموح به من مافيات التهريب بغرض تعظيم الأرباح المادية، ما يجعل غرقها شبه حتمي. كما أن المخاطر تصبح أعلى بكثير في فصلي الخريف والشتاء بسبب الأمواج العالية. ويُضاف إلى ذلك كله تراجع دور سفن الإنقاذ غير الحكومية التي كانت سنواتٍ تنشط في دورياتٍ لا تنتهي للوصول إلى القوارب وإنقاذ من فيها بعد الحروب التي شنّت عليها في أكثر من بلد أوروبي لتقيد عملها، بعد اتهامها بالتواطؤ مع المهاجرين.

ربما العلم بهذه التفاصيل كان سيُثني بعضهم لكنه على الأرجح لم يكن ليثني الجميع، بعد أن انعدمت الخيارات، وتحول الموت غرقاً أهون الشرّين مقارنة بالبقاء في لبنان، لينضم الضحايا الجدد إلى أكثر من 24400 شخص قضوا أو فقدوا في أثناء محاولتهم عبور البحر الأبيض المتوسط بين 2014 و2021 بحسب أرقام الأمم المتحدة.

جمانة فرحات
جمانة فرحات
صحافية لبنانية. رئيسة القسم السياسي في "العربي الجديد". عملت في عدة صحف ومواقع ودوريات لبنانية وعربية تعنى بالعلاقات الدولية وشؤون اللاجئين في المنطقة العربية.