قمّة عربية شاحبة

قمّة عربية شاحبة

07 نوفمبر 2022

من الجلسة الافتتاحية للقمة العربية في الجزائر (1/11/2022/Getty)

+ الخط -

بعد أن انتهت القمّة العربية الحادية والثلاثون في الجزائر، بالإمكان القول بثقة إنها كانت شاحبة، بلا لون أو طعم. وذلك رغم محاولات الجزائر قبلها لبثّ روح التفاؤل بإمكانية إحداث نقلة على المستوى العربي، وهو أمر منطقي من الدولة المضيفة، وإن لم يجد له مبرّراً أو سنداً من الواقع.
في المقابل، كادت كل التصريحات والإشارات العربية قبل القمة تقول، صراحة، إن القمة تنعقد فقط للانعقاد، وليس لتحقيق إنجاز أو الخروج بنتائج. وبالفعل، جاء "إعلان الجزائر" معبّراً بدقة عن الحال العربي الراهن، فتضمّن تعبيرات أدبية وكلمات رنّانة من شاكلة "رفض" و"دعم" و"تأييد" و"تأكيد" و"مساندة"، وذلك كله من دون أي ملمح لإجراء عملي واحد يجسّد الرفض، ولا خطّة واضحة تترجم الدعم أو التأييد أو تثبت المساندة. ومثل كل القمم العربية، تضمّن الإعلان الختامي كل القضايا التقليدية الثابتة دائماً في المحافل واللقاءات العربية الرسمية، مثل فلسطين وليبيا وسورية واليمن والدورين الإيراني والتركي في المنطقة. لكن إعلان الجزائر أضاف قضايا مستحدثة، مثل الأمن الغذائي العربي، وأخرى مؤقتة مرتبطة بأحداث معينة، مثل استضافة قطر كأس العالم، واستضافة مصر مؤتمر التغير المناخي. 
واللافت في ذلك كله أن جديداً حقيقياً لم يطرأ على التعاطي العربي، لا مع القضايا التقليدية، ولا المستحدثة. أما الأحداث المؤقتة، فلم يكن متصوّراً لها أكثر من تأكيد الدعم العربي، لمصر وقطر، الذي بطبيعة الحال لم تتضح أي ملامح أو أبعاد حقيقية له.
وتحرّياً للواقعية، لا بد من الإقرار بأن قمّة الجزائر لم يكن لها أن تأتي بما لم تأتِ به القمم السابقة، فقد عبّرت مستويات المشاركة في القمة عن مجرياتها ونتائجها مسبقاً. فبالإضافة إلى القادة الغائبين عادة عن القمم العربية مثل سُلطان عُمان (سيراً على درب سلفه) والرئيس السوري (بسبب تجميد عضوية سورية منذ عشر سنوات)، غاب عن قمّة الجزائر قادة دول صاروا مؤثرين في صيرورة الأوضاع العربية والإقليمية وتفاعلاتها بشكل كبير. منهم مثلاً، وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان، ورئيس الإمارات محمد بن زايد. ولغيابهما دلالة مهمة، لجهة موقف الدولتين من القمة ومن جامعة الدول العربية وطبيعتها مؤسسةً يُفترض أنها تجسّد (وتؤطّر) السياسات والمواقف العربية الجماعية بل والفردية، حسب التصوّر النموذجي لدور الجامعة. أما غياب العاهل المغربي محمد السادس، فملابساته لا تزال يحوطها الغموض. وليس خافياً وجود تباين واضح في مواقف مصر والجزائر من بعض القضايا العربية، وخصوصاً بالنسبة إلى الملف الليبي، وكذلك الملف الفلسطيني الذي تولت بشأنه الجزائر رعاية اتفاق المصالحة قبل القمة بأيام.
وبالطبع، كان للخلل القائم في ميزان القوة بين الدول العربية تأثيراته في فعالية بعض تلك الدول في القمة ووزنها، مثل ليبيا واليمن والعراق والسودان ولبنان. وإن كان الضعف والاضطراب الداخلي في هذه الدول ليس جديداً، إلا أن تردّي الأوضاع فيها إلى حد الهشاشة يُخرجها تلقائياً من معادلة القرار العربي، بل يجعلها في وضع المفعول به أو على الأقل التابع لدول أخرى عربية أو غير عربية.
لم يكن من المتصوّر، والحال هكذا، أن تخرج القمّة العربية بقرارات حقيقية أو نتائج عملية. وإن كان من فائدة واحدة لقمة الجزائر، فهي مجرّد الانعقاد وقطع سلسلة التأجيلات المتوالية منذ ثلاثة أعوام.

58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.