طموح "بريكس" وأمراض الشرق الأوسط

28 اغسطس 2023

أعلام دول قمة "بريكس" وعامل نظافة في مركز المؤتمرات في جوهانسبرغ (22/8/2023/فرانس برس)

+ الخط -

ليس تكتّل "بريكس" الأول من نوعه في عالم شهد كثيراً من التجمعات والأحلاف والمنظمات الإقليمية والعالمية. لكنه أول تكتّل دولي يسعى إلى تغيير طبيعة النظام العالمي القائم وهيكله، إذ تركّزت أهداف كل التكتلات الدولية السابقة في خدمة مصالح أعضائها (مثل التكتلات الفرعية في أفريقيا وأميركا الجنوبية). وفي حالات قليلة، كان الهدف هو التحصّن ضد طغيان النظام العالمي وتوحُش القوى المسيطرة عليه. ومثال ذلك منظمة شنغهاي، وقبلها بعقود تكتل دول عدم الانحياز. من هنا فإن تكتل "بريكس" يكاد يكون التجربة الوحيدة لتشكيل تكتّل متعدّد الأطراف يسعى عملياً إلى تغيير النظام العالمي وإعادة تشكيله. وبمفاهيم وقواعد مختلفة عن السائدة، فالتكتّل بلا هيكل تنظيمي ثابت، فهو أقرب إلى آلية للتشاور والتنسيق.
قبل ثلاثة عقود، أسست تركيا "مجموعة الدول الثماني" لمواجهة الهيمنة الغربية، لكن الصبغة الإسلامية أجهضت المحاولة. أما "بريكس" فغير مؤدلجة، ولا تثير أي هواجس فكرية أو سياسية. فرغم تفاوت الوزن النسبي لدولها الأعضاء، إلا أنها جميعاً تتجنّب الاضطلاع بدور القاطرة للتكتّل. وفي "بريكس" ميزتان مهمتان: أولاهما التنوّع والتباين في قدرات دولها وخصائص اقتصاداتها، ما يجعل التكامل الجماعي بينها ضرورياً. والثانية أن الدول الأعضاء لا تقع في نطاق جغرافي ضيق، ولا في إقليم واحد، ما كان سيجعلها شبيهةً بالمنظمّات الإقليمية بمشكلاتها التقليدية وأمراضها. 
رغم ذلك، تشترك دول "بريكس" في خصائص وأوضاع لا تقلّ أهمية عن الاختلافات، فهي جميعاً تملك قاعدة صناعية قوية، خصوصاً في الصناعات الثقيلة والاستراتيجية، مع اختلاف مجالاتها. كما أن لكل منها رؤية شاملة لمصالحها وللتحدّيات القائمة والمحتملة أمامها، تجعلها في سباق مع الزمن لتتجاوزها. وتدفعها كذلك إلى تبنّي سياساتٍ عمليةٍ وخطط تنفيذية مدروسة لتحقيق أهدافها على مراحل، وفي مساراتٍ متوازيةٍ تكمل بعضها. وبالتالي، أوجه الشبه وجوانب الاختلاف تضع الخماسي المؤسّس (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب أفريقيا) في أن تأخذ طريقاً تكاملياً واضحاً رغم التمايز والتنوع. ومن هنا يأتي الخطر الكامن في توسيع العضوية وضم دول جديدة إلى التكتل، ففي ذلك التوسيع الذي بات وشيكاً مخاطر لا تقل أهمية عن المكاسب المتوقعة. على أن المخاطر والمكاسب ستطاول الدول المؤسّسة وكذلك الأعضاء الجدد. صحيح أن دولتين من الست المرشّحة للانضمام (الإمارات والسعودية) تملكان وفرة مالية كبيرة ونفوذاً اقتصادياً سياسياً (نفطياً)، إلا أنهما، في المقابل، مُحمَّلتان بقضايا وانغماسات إقليمية قد يصعب لاحقاً تحييدها أو تجاهلها. 
أما الدول الأربع الأخرى (مصر وإيران وإثيوبيا والأرجنتين) فلديها حزمة متنوّعة من الاستحقاقات والتحدّيات الحيوية القائمة والمتوقعة، حيث التحدّيات الداخلية ضخمة ومتغلغلة عضوياً في أوضاع داخلية أقلّ ما توصف به أنها مأزومة. وليس من الوارد أن تظلّ تلك الأوضاع بأعبائها بعيدة عن التكتّل. أي أن "بريكس" تنتظر عضوياتٍ جديدةً موزّعة بين سياق داخلي خانق وآخر خارجي ضاغط. وباستثناء الأرجنتين، تنتمي الدول الخمس الأخرى إلى الشرق الأوسط، بما فيها إثيوبيا التي تزايدت، أخيراً، مسارات ارتباطها وتفاعلها مع دول الإقليم. ولن يكون مفاجئاً بالمرّة أن تنضم الدول الجديدة مصطحبة معها حساسياتٍ ومحاذير وحسابات معقّدة فيما بينها، وتحديداً بالنسبة للسعودية وإيران، وكذلك مصر وإثيوبيا.
ولأن التجارب السابقة للمنطقة مع التكتّلات والتنظيمات بمختلف أشكالها ليست مُبهرة، ولا حتى جيدة، فإن الآمال الكبيرة المعقودة على نجاح "بريكس" في تشكيل نظام عالمي جديد، معلقة بالضرورة على النجاح في ضم أكبر عدد من الدول، مع الاحتفاظ بالجماعية والتوازن والمرونة في الوقت ذاته. ولذا ربما تندم الدول مؤسّسة "بريكس" على بدء مسار التوسيع والانفتاح عالمياً من الشرق الأوسط المقيّد دائماً بهمومه المتجذّرة.

58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.