صورة إسرائيل

صورة إسرائيل

15 ديسمبر 2023
+ الخط -

صور المواطنين الفلسطينيين في غزّة، الذين جرّدتهم إسرائيل من بعض ملابسهم، تحوّلت ضدها. وخلال أقل من 48 ساعة، تعهّد الناطق باسم الجيش الإسرائيلي بأن هذا الأمر لن يتكرّر. ولا يعني رد الفعل السريع كرم أخلاق، بل إن نشر الصور في وسائل الإعلام تفاعل بطريقةٍ أضرت بإسرائيل من زوايا مختلفة، وعلى نحو خاصٍّ ما ولّدته من ردود فعل، استنكرت التصرّف غير الأخلاقي، من جيش يقدم نفسه على أنه مهني، ويحترم قوانين الحرب. وحسب ألف باء حقوق الإنسان، لا يجوز، تحت أي ظرف، تعرية شخصٍ معتقل، وتصويره، وتوزيع صورته على وسائل الإعلام، ووسائل التواصل من أجل نشرها، فالعمل يعدّ اعتداءً على كرامة شخص أعزل في الاعتقال، عسكريا كان أو مدنيا. ويبدو أن إسرائيل أدركت، بسرعة، أن ما كانت ترمي إليه من العملية، قد ارتدّ عليها، فبدلا من أن يقلّل ذلك من كرامة المعتقلين في عيون الناس، أظهر صورة أحد وجوهها البشعة في هذه الحرب، وخصوصا أن التفسير الذي قدّمه الناطق الرسمي ظهر على درجةٍ كبيرةٍ من التهافت، "عمدنا إلى تجريد المعتقلين من ملابسهم في شمال قطاع غزّة لنتأكّد من أنهم غير مفخّخين". ولو أن تبريره يمتلك ذرّة مصداقية لما تعمّد الجيش تصوير المعتقلين، وتعميم صورهم. كان بوسعه أن يتحقّق من وجود المتفجّرات من عدمه، بطرقٍ أخرى، لا تعرض المعتقلين للتصوير أو التشهير. ومن الواضح أن الهدف المباشر من نشر الصور رفع معنويات الجبهة الداخلية الإسرائيلية بعد مرور شهرين على الحرب، لم يزوّدها الجيش الإسرائيلي بصورة انتصار عسكري واحد، بل على العكس. ولذلك جرى تصوير المعتقلين من أجل تنفيس بعض التوتر الداخلي. والهدف غير المباشر توجيه رسالةٍ إلى أهل غزّة. تريد إسرائيل أن تبلغ الذين أصرّوا على البقاء في منازلهم، ورفضوا التهجير، بأن ما ينتظرهم لا يقلّ سوءا عما تعرّض له المعتقلون الذين جرى تصويرهم. وهي تدرك أن هؤلاء مدنيّون، لا صلة لهم بالمقاومة، وإلا لما كانت وجدتهم في منازلهم، بل في ميادين المعارك.

تسير إسرائيل من خطأ إلى خطأ أكبر. وباعتبار أن مشاعر الانتقام ما تزال تحكُم سلوكها، فهي لا تحسب ردود أفعالها جيدا، وهذا لا يعني أن العالم لا يراها، أو أنه يقرّ تصرّفاتها. وسواء كانت ساعة الحساب على الأخطاء قريبة أو بعيدة، واردة أو غير واردة، فإنها لن تسقط، ستبقى مسجّلة، كأمثلة غير مسبوقة على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. ومن المؤكّد أن الرأي العام العالمي لن ينسى ما قامت به من أفعال، ومنها ما هو خارج ميدان المعارك، ومن ذلك الحملات على مستوى العالم، تحت غطاء "معاداة السامية"، التي تحوّلت إلى محاكم تفتيش جديدة، وسياسات ابتزاز، وتدخّل سافر في شؤون الدول والمنظمات الدولية ووسائل الإعلام، وقادت بذلك إلى توليد أجواء كراهية وحروب، أدّت إلى فقدان كثيرين أعمالهم في وسائل الإعلام وميادين الفن والثقافة والتعليم. كما أشعلت موجة حادّة من العنصرية ضد العرب والمسلمين، من خلال وسائل إعلام موالية لها، وبإسناد من أحزاب اليمين العنصري، ذات الفكر النازي، المعادية لليهود والمؤيدة لإسرائيل. ولن يتأخّر الوقت حتى تظهر الآثار السلبية على استقرار البلدان التي تساهلت حيال "الإسلاموفوبيا"، وتغاضت عن حملات الاستثمار في العنصرية ضد المهاجرين العرب والمسلمين، تحت غطاء حقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها. وتكبّد الاقتصاد العالمي خسائر كبيرة بسبب الحرب على غزّة، وهذه ليست المرّة الأولى التي يتحمّل فيها العالم تسديد فواتير حروب إسرائيل، التي تتصرّف على أنها فوق القانون الإنساني، ولا تكترث بحقوق الشعب الفلسطيني. ومع ذلك، تريد من العالم أن يتضامن معها على أنها ضحية.