سنة أولى نصب

سنة أولى نصب

03 مايو 2023

(سبهان آدم)

+ الخط -

لا أدري لماذا يستمرّ الناس في متابعة مسلسل ملّوا من متابعته قبل ذلك، فهم يعرفون نهايته المؤسفة والمفجعة، ولماذا يصرّون على السير في طريقٍ محفوفٍ بالمخاطر، فهم قد سمعوا عن ضحاياه، ولكنهم ما زالوا يفعلون ويستمرّون، بل وأيضاً ينصحون غيرهم بالسير فيه، فأنا مثلاً، وعلى صعيد شخصي، كنتُ، في مراحل طفولتي الأولى، ولم أكن أعرف إلا الحياة الوردية، حتى سمعت عن أساليب النصب والتحايل على الفقراء. وبتّ أتخيّل هيئة أحد النصابين الكبار والذين قاموا بأكبر عملية نصب في مصر، وهي عملية توظيف الأموال، وأصبح مضرباً للمثل، للتحذير من النصب والنصّابين الذين يسرقون الكحل من العين، أو الذين يجيدون الخداع حتى يقنعوك ببيع ملابسك التي تسترك.

شاهدنا أحد الأفلام التي لا تُنسى للزعيم عادل إمام. ورغم سقطاته الكثيرة ورسائله التي تدسّ السم في العسل، خصوصاً في موجة أفلامه الموجّهة سياسياً، إلا أن "كراكون في الشارع" يذكّرنا بالنصّابين الذين يبيعون الوهم للناس، وهم يلتحفون بثياب التديّن والورع والتقوى. وهكذا فقد تناولت السينما هذه الجريمة المرتّبة، ولكن الغريب والعجيب أن الناس لا يتوقفون عن السقوط في فخاخ النصّابين الذين يبيعون لهم الهواء، أو يبيعون لهم السمك الذي يلعب بين أمواج البحر.

تتساءل وتحتار عن السبب الذي يجعل المواطن الفقير يصدّق أمثال هؤلاء، ويبيع كل ما يملك ويقدمه لأحد المدّعين الذين يجيدون التحايل بصورة لا يتخيّلها العقل. وقد كان هذا التحايل يتم على المقهى مثلاً، وبواسطة شخصٍ يقنع بعض روّاد المقهى بوجود شخص آخر لديه مكتب فاخر، ويستطيع تشغيل مبلغ صغير من المال في تجارة حلال مقابل أرباح سريعة وخيالية من شأنها أن تحل مشكلة زواج الولد، لعدم توفر شقّة زوجية أو مشكلة زواج البنت، لعدم توفر تكاليف شراء الأثاث لبيتها، حسب العادات والتقاليد.

هكذا فتحنا أعيننا على النصّابين وأصبحنا حذرين، ولكن ذلك لم يمنع أننا نفتح آذاننا ونسمع قصص الأرباح السريعة والكبيرة التي جناها فلان من خلال تشغيل مبلغ من المال عن طريق شركة ما تملأ إعلاناتها وسائل التواصل الاجتماعي اليوم، ويخرج أصحابها وهم يؤدّون العمرة، شاكرين للرب فضله ونعمه وتوفيقه لهم لرعاية مصالح الناس، إلى درجة أن التفكير في اتهامهم يتراجع أمام ورعهم وكلامهم المنمّق، بحيث تخدّر العقل وتذهب باللب.

حسب تفسير مختصين في الاقتصاد، هم يرون أن ظاهرة النصب وشركات توظيف الأموال التي لم تنته، والتي ظهرت في مصر مثلاً منذ نحو 45 عاماً على يد صاحب شركة الشريف للبلاستيك. وقد انتشرت إعلانات الشركة في الصحف المصرية من أجل تشجيع المواطنين. وبعد شهر، بدأت الشركة في توزيع الفوائد على المودعين، ما زاد من أعداد الراغبين في الاستثمار لديها، فالسبب في استمرارها وتمدّدها، رغم أن ضحاياها يفقدون أموالهم، بل وحياتهم، بسبب الجلطات الدماغية والأزمات القلبية الناتجة عن الحزن الشديد، فالمال، كما يقولون، يعادل الروح، ولكن السبب في استمرارها هو الطمع والجشع والرغبة في الثراء والكسب السريع لدى هؤلاء الناس. كما أن بعض المودعين الذين يضعون أموالهم في أيدي مثل هؤلاء النصابين حصلوا على أموالٍ بطرق غير مشروعة، ويريدون استثمارها ولا يرغبون في إيداعها في البنوك، خوفاً من ملاحقة القانون لهم بسؤال "من أين لك هذا"، فيعتقدون أن إيداع هذه الأموال لدى شركاتٍ تقوم بمضاعفاتها هو خير استثمار، وينسون أن ما تأتي به الرياح تذهب به الزوابع.

في كل بلد وفي كل مكان، لا تتوقف جرائم النصب على المواطنين. والغريب أيضاً أن النصّاب غالباً ما يكون من قاع المجتمع، ولكنه ينجح في إقناع الأغنياء والمثقفين مثل أساتذة الجامعات، فهناك أخيراً سائق التوكتوك المصري الذي استطاع جمع ما يقارب المليار جنيه من الأهالي البسطاء الخائفين من إيداع أموالهم في البنوك لشبهات دينية، فأودعها بين أيدي أدعياء الدين.

سما حسن
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.