حرب البحر الأحمر

حرب البحر الأحمر

14 يناير 2024

علما فلسطين واليمن على قارب لخفر السواحل اليمني في البحر الأحمر (4/12/2024/فرانس برس)

+ الخط -

منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، قبل 100 يوم، كان الحرص الأميركي والغربي منصباً على عدم توسع الحرب وتحولها إلى مواجهة إقليمية واسعة. الجولات المكوكية لوزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، تمحورت حول هذه الغاية. من وجهة النظر الغربية والأميركية، كان توسّع الحرب منصبّاً على الجبهة الشمالية لإسرائيل، أي لبنان، ودخول حزب الله مباشرة في المعركة، وهو ما استطاعت الولايات المتحدة، إلى حدٍّ ما، تأمينه، فالحزب دخل المعركة بتحفّظ، ووفق حساباتٍ مضبوطة، تمنع التدحرج إلى مواجهة إقليمية.

لكن ما لم يكن في الحسبان الأميركي والغربي انتقال الحرب إلى منطقةٍ أخرى، بعيدة كلياً عن خط المواجهة الحالية. لم تكن جبهة البحر الأحمر إثر الدخول الحوثي المباشر على خط المواجهة واردةً في القراءات الأميركية لتوسّع دائرة الحرب. لكن هذا الدخول، وبهذا الشكل الذي هدّد التجارة الدولية، جعل توسّع الحرب إلى تلك المنطقة أمراً لا بد منه، وهو ما بدأنا نراه في العمليات العسكرية التي أطلقتها الولايات المتحدة وبريطانيا.

الغارات التي نفّذتها الدولتان على الأراضي اليمنية قبل يومين تشير إلى أن الحرب فعلياً خرجت عن دائرة السيطرة، وباتت تتجه نحو حربٍ إقليمية. الأمر لا يتعلق فقط بالهجمات الحوثية على السفن المارّة في البحر الأحمر، والتي ربطها كثيرون بـ"الأوامر" الإيرانية، بل بات هناك تدخّلٌ مباشرٌ من الجانب الإيراني، عبر احتجاز الحرس الثوري الإيراني ناقلة نفط ترفع علم جزر المارشال في بحر عُمان. ورغم أن الخطوة الإيرانية سيقت في إطار الردّ على احتجاز الولايات المتحدة قبل نحو عام سفينة تنقل نفطاً إيرانياً، إلا أنها غير معزولة عما يقوم به الحوثيون في البحر الأحمر، وعن التهديد الذي أطلقه الحرس الثوري قبل أسابيع بإغلاق ممرّات الملاحة العالمية، وتحديداً في البحر الأحمر.

وفق هذه الحسابات، فإن توسّع الحرب إلى خارج قطاع غزّة أصبح أمراً واقعاً، ويحمل مخاطر التدحرج تدريجياً إلى مواجهةٍ أوسع، كانت تعمل الولايات المتحدة على عدم الدخول فيها. تشكّل الغارات الأميركية والبريطانية على الأراضي اليمنية تحوّلاً كبيراً في مسار الحرب، وتمثل رسمياً فتح جبهة جديدة من الصعب إغلاقها في وقت قصير، وتفتح باباً لتصعيدٍ أوسع في شبه الجزيرة العربية، في وقتٍ كانت هناك مساع كبيرة لإنهاء الحرب في اليمن خشية امتداد تداعياتها إلى منطقة الخليج، خصوصاً بعد الضربات التي وجهها الحوثيون قبل نحو عام إلى السعودية، وتحديداً شركة أرامكو النفطية.

اليوم، يبدو أن هذه المساعي مهدّدة، فرغم حرص السعودية على النأي بنفسها عن الحلف الذي أنشأته الولايات المتحدة وبريطانيا لضبط الملاحة في البحر الأحمر، إلا أن تصاعد العمليات العسكرية في اليمن على النحو الذي حصل قبل يومين قد لا يوفّر المنطقة من عمليات للردّ يقوم بها الحوثيون، بهدف ردع الحلف الجديد عن تكرار ما قام به. الواقع الجديد الذي تمثله الهجمات الأميركية والبريطانية على الأراضي اليمنية يُعيد محاولات إنهاء الحرب في اليمن إلى النقطة صفر، ويفتح الباب أمام مواجهةٍ أوسع، قد لا تكون إيران بمنأى عنها بشكل مباشر.

توسّعت الحرب على غزّة فعلاً، وإن لم يكن وفق المخاوف التي انطلقت مع بدايتها، فجبهات دول الطوق المحيطة بإسرائيل لم تُفتح بشكل كامل، لكن جبهاتٍ أخرى في طريقها إلى التوسّع، خصوصاً أنها لا تهدّد إسرائيل فقط، وفق المعايير الأميركية والغربية، بل تشكل خطراً على التجارة الدولية عموماً. باتت الحرب في البحر الأحمر، وهي لا تزال في بدايتها، والعمليات الأميركية والبريطانية قبل يومين تمثل إنذاراً من إمكان التوسّع بشكل أكبر، وهو ما يدفع إلى ترقّب ردّة الفعل الحوثية والإيرانية، فإما ضبط المواجهة أو تصعيدها.

حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".