حاشية على وصلة تشبيح

حاشية على وصلة تشبيح

25 اغسطس 2017

إلهام شاهين في ضيافة أحمد حسّون بدمشق (موقع سانا)

+ الخط -
تذكّر وصلة تشبيح إلهام شاهين في دمشق، الأسبوع الماضي، بسؤالٍ عن سبب ندرة أن تصادف ممثلا عربيا غير متزلفٍ للسلطة، ليس منافقا لها، ليس سخيفا في ممالأته هذا الرئيس أو ذاك، بينما يندر أن تطالع قولا لممثل أميركي أو أوروبي يمسح فيه جوخا لأي رئيس أو مسؤول. يدهشك أن نجوما كبارا في السينما العالمية يتبرّعون بملايين الدولارات للاجئين في غير مكان، ويسافرون إلى أماكن البؤس والكوارث متضامنين مع الضحايا فيها، فيما تضنّ المذكورة أعلاه بأي مفردة تعاطفٍ تجاه أيّ لاجئ سوري طريد، وهي تمحض الجيش السوري بإسنادها له، ثم تحظى، مع محمد صبحي وآخرين، بمقابلة المفتي أحمد حسّون، وتُهدى منه نسخةً من المصحف الشريف، فتنطق الصورة التي تجمعهما بما يغشاها من إيمانٍ وغبطةٍ ظفرت بهما.
ليست نجمة "سوق المتعة" وحدها من بين الفنانين المصريين البخيلة بالمشاعر الإنسانية تجاه ضحايا الأسد. وليست، بالطبع، وحدها تنفرد بالولع بشخص عبد الفتاح السيسي الذي اعتبرت يوم رئاسته مصر أهمّ من يوم انتصار أكتوبر، فهم أقل من أصابع اليد الواحدة الفنانون المصريون الذين لم يطبّلوا للسيسي، وقد قال حسن يوسف قبل ترشّح المذكور لما سمّيت تالياً انتخاباتٍ رئاسية إنه يجب إجباره على الترشّح. .. وممالأة هؤلاء للرئيس الراهن موصولةٌ بشغفهم بحسني مبارك الذي ناصر كثيرون منهم الثورة ضدّه لمّا اقترب تنحّيه. وفي البال أيضا أن وفدا منهم (بينهم عادل إمام) زار الرئيس محمد مرسي، وحاوره في تباسط طيب، وسأل الرجل يومها عن سبب غياب إلهام شاهين بينهم، ثم اتّصل بها مسؤولٌ في الرئاسة، وأبلغها تحيات مرسي وانزعاجه من إساءة شيخ سلفي لها.
نفاق الفنانين المصريين (إلا من رحم ربي) للسلطة، وغياب أي مبادرات إنسانية منهم في نوائب عربية غير قليلة (باستثناء مسيرات ظرفية) هو حال أغلب الممثلين العرب الآخرين في بلدانهم. وهذه المحنة السورية، يصطف إلى جانب الشعب في غضونها قليلون جدا منهم، بل إن دريد لحام وحزمة واسعة من زملائه لا يكتفون بأن يخرسوا، وإنما يزايدون في مداهنة الاستبداد والنظام القاتل. وليست منسيةً دعوة النائب الراهن، المخرج نجدت أنزور، شركات الإنتاج إلى مقاطعة الفنانين (بينهم الراحلة فدوى سليمان) الذين وقّعوا على "بيان الحليب"، مطالبين بتوفير الحليب لأطفال درعا المحاصرة في ربيع العام 2011. كما ليست منسيةً قبلات زهير عبد الكريم بسطار جندي سوري أمام الكاميرات.
مشهد محمد صبحي في ضيافة نظام بشار الأسد في دمشق، قبل أيام، لا يذكّر فقط بمشهده في بغداد في ضيافة نظام صدام حسين، وإنما يذكّر أيضا بجورج كلوني، يعلن تخصيص مؤسسةٍ أقامها مليوني دولار لتعليم الأطفال السوريين اللاجئين، وتذكّر أيضا بزيارة هذا النجم العالمي، قبل سنوات، مهجّرين في إقليم دارفور، وبحديثه، في جلسةٍ مغلقةٍ في مجلس الأمن الدولي، عن "معاناة فظيعة" هناك. ومشاهد إلهام شاهين في ضيافة نظام الأسد غير مرة في دمشق تذكّر بجولات أنجلينا جولي في مخيمات لاجئين سوريين في لبنان وتركيا والأردن، وتبنّيها طفلا منهم (مع ثلاثة من كمبوديا وفيتنام وإثيوبيا)، وبحديثها أمام مجلس الأمن عن عدم استخدامه صلاحياته لحماية السوريين. وقد جالت النجمة البديعة على أماكن لجوءٍ في كمبوديا والصومال والسودان وأفغانستان، وتبرّعت بمليون دولار لمنكوبي دارفور، وملايين أخرى لأطفال كمبوديا.
لم يحاول أيٌّ من نجوم التمثيل والإخراج العرب، في مصر وغيرها، أن يكون كما مايكل مور الذي عاب على جورج بوش عارَه، والذي يعلي الآن صوته ضد تصريحات دونالد ترامب ضد المسلمين. ولا كما شون بن الذي طالب، في خطابٍ دفع أجر نشره في "واشنطن بوست"، جورج بوش بإنهاء العنف الذي تُحدثه حربه ضد الإرهاب. ولا كما سيلينا غوميز، وهي تنشط في مطالباتها برفع الحصار عن قطاع غزة. ولا كما ميريل ستريب التي شرشحت ترامب أمام العالم، ولقّنته درسا في الأخلاق... ليس بين ظهرانينا ممثلٌ أو مغنٍّ أو مخرجٌ عربي لديه شيء من هذا. بيننا اللبنانية نادين الراسي التي لا تخجل من إشهار قرفها من اللاجئين السوريين، والسورية رغدة المتيّمة ببساطير صدام والأسد، وسماح أنور والعياذ بالله، وجورج وسّوف وسلاف فواخرجي وعلي الحجار.. وكثيرون كما هؤلاء، يعصى العثور فيهم على غير التزلّف التافه للمستبدّين، كما ضيفة أحمد حسّون، بطلة "لحم رخيص" إلهام شاهين.

دلالات

معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.