جولة بلينكن الرابعة..دعم أميركي غير مشروط لإسرائيل

جولة بلينكن الرابعة... دعم أميركي غير مشروط لإسرائيل

11 يناير 2024

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في مؤتمر صحافي في الدوحة (7/1/2024/فرانس برس)

+ الخط -

أجرى وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، في الفترة 4 -11 كانون الثاني/ يناير 2024، جولة جديدة هي الرابعة في المنطقة منذ عملية طوفان الأقصى وبدء العدوان الإسرائيلي على غزّة في تشرين الأول/ أكتوبر 2023. وتهدف جولته، على نحو رئيس، إلى منع توسّع دائرة الحرب التي تشنّها إسرائيل على الشعب الفلسطيني في غزّة إلى صراع إقليمي مفتوح تَنجرُّ إليه الولايات المتحدة قبل عشرة شهور فقط من انتخابات رئاسية حاسمة ستجري فيها؛ وهي انتخاباتٌ، كما تشير استطلاعات الرأي، ستكون صعبةً بالنسبة إلى الرئيس جو بايدن والحزب الديمقراطي. وتأتي جولة بلينكن أيضًا في وقتٍ تجد فيه الولايات المتحدة نفسَها منخرطة عسكريًّا، وإنْ على مستوى منخفض، في ثلاث جبهات، العراق وسورية والبحر الأحمر، في حين أنها تراقب بقلق التصعيد على الحدود مع لبنان، وفي الضفة الغربية، على خلفية ما يجري في قطاع غزّة.

حدود استراتيجية الردع الأميركية

مع انطلاق العدوان الإسرائيلي على غزّة، تحرّكت الولايات المتحدة سريعًا لمنع توسّع الصراع خارج القطاع، ووفّرت مظلة عسكرية تسمح لإسرائيل بالتركيز على تحقيق أهدافها التي حدّدتها بالقضاء على القدرات العسكرية للمقاومة الفلسطينية، وإطاحة سلطة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في غزّة، عبر ردع أي خصومٍ محتملين لها عن مهاجمتها. بناءً عليه، أمر الرئيس بايدن، في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، بتوجيه حاملتَي طائرات نوويتين مع مجموعتيهما المقاتلتين إلى المنطقة، "يو إس إس جيرالد آر فورد" و"يو إس إس دوايت دي أيزنهاور"، وانضمّت إليهما لاحقًا غوّاصة نووية، مع آلاف الجنود، فضلًا عن طائراتٍ ذات قدراتٍ هجومية. وكانت الفكرة حينئذ أنّ هذه القوة العسكرية ستكون بمنزلة إضافةٍ إلى أنظمة الدفاع الصاروخية الإسرائيلية، قادرةٍ على ردع أي هجومٍ على إسرائيل والتصدّي له، في حال حصوله من إيران أو حلفائها في المنطقة (حزب الله اللبناني، وجماعة الحوثيين في اليمن، والفصائل الشيعية في العراق وسورية). ومع أن الولايات المتحدة نجحت في منع حصول مواجهاتٍ عسكريةٍ واسعة خارج قطاع غزّة خلال الشهور الثلاثة الماضية، فإن قدرات الردع الأميركية بدأت تتآكل مع استمرار وحشية العدوان الإسرائيلي على غزّة، وعَجْز الولايات المتحدة عن ضبطه، بخاصة ضد المدنيين. ويبدو أن استراتيجية الردع التي اعتمدتها إدارة بايدن في مواجهة إيران وحلفائها عبر زيادة القدرات والأصول العسكرية الأميركية في المنطقة، قد تحوّلت هي نفسها إلى محفّز لصراع إقليمي أوسع؛ إذ استغلّت إسرائيل مظلّة الحماية الأميركية لها في توسيع نطاق عملياتها العسكرية ضد إيران وحلفائها في المنطقة، وقد اشتملت على توسيع نطاق المواجهات مع حزب الله في لبنان، سيما بعد أن أدركت تمامًا أن حزب الله غير معنيٍّ بخوض حربٍ شاملةٍ مع إسرائيل، واستهداف قياديين في الحرس الثوري الإيراني في سورية، فضلًا عن اضطرار الولايات المتحدة إلى التصدّي لهجمات تستهدف إسرائيل بسبب عدوانها المستمرّ على غزّة.

الجبهة اللبنانية

كانت إدارة بايدن قد وجّهت حاملة الطائرات "يو إس إس جيرالد آر فورد" ومجموعتها المقاتلة، في أعقاب عملية طوفان الأقصى، إلى شرق البحر الأبيض المتوسط، في رسالة مباشرة هدفها ردع حزب الله خصوصًا. وعلى الرغم من ذلك، بدأ الحزب في شنَّ هجمات محدودة على شمال إسرائيل منذ 8 تشرين الأول/ أكتوبر 2023. وقد ظلّ الطرفان يتبادلان القصف على جانبَي الحدود منذ ذلك الوقت. ويؤكّد مسؤولون أميركيون أن إسرائيل كانت تستعدّ لشنَّ هجوم واسع على حزب الله في أعقاب عملية طوفان الأقصى، بناءً على مزاعم استخباراتية مفادها بأن الحزب كان يعلم بها وأنه ساندها، وهو الأمر الذي لم تتفّق معه التقديرات الاستخباراتية الأميركية. وبحسب إدارة بايدن، نجحت جهودُها في منع إسرائيل من فتح جبهة مع حزب الله، خشية أن يجرّ ذلك الولايات المتحدة إلى حرب إقليمية نيابةً عن إسرائيل.

لكن اغتيال إسرائيل نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، صالح العاروري، وعدد آخر من كوادر الحركة، في هجوم بطائرةٍ مسيّرة في الضاحية الجنوبية لبيروت، في 2 كانون الثاني/ يناير، واستهداف حزب الله قاعدة ميرون الإسرائيلية للمراقبة الجوية، في إطار ما قال إنه "ردّ أوليّ" على اغتيال العاروري، رفع مستوى القلق الأميركي من اندلاع حربٍ مفتوحةٍ بين الطرفين. وتساور إدارة بايدن شكوك في أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قد يكون يسعى إلى توسعة الحرب مع حزب الله اللبناني خدمةً لمصالحه السياسية، وضمانًا لبقائه في الحكم أطول فترة ممكنة؛ لعلمه أن حكومته قد تسقُط بمجرّد انتهاء الحرب على غزّة. ويساور مسؤولين أميركيين الشك في أن سحب إسرائيل آلاف الجنود من قطاع غزّة، في بداية العام الجاري، قد يكون مقدّمةً لزجّهم في حربٍ مع لبنان. واستنادًا إلى تقدير لوكالة استخبارات الدفاع، التابعة لوزارة الدفاع الأميركية، فإن تورّط إسرائيل في حرب متزامنة على الجبهتين، جنوبًا في غزّة وشمالًا في لبنان، سيمثل تحدّيًا كبيرًا بالنسبة إلى جيشها الذي سيضطرّ إلى نشر أصوله وموارده العسكرية على نحو يستنزف قدراته. ويحذّر التقدير من أن حزب الله يملك ترسانة عسكرية أكبر كثيرًا من الترسانة التي تملكها "حماس"، بما في ذلك آلاف الصواريخ الدقيقة والطويلة المدى، فضلًا عن أن الطيران العسكري الإسرائيلي لن يتمتّع في الأجواء اللبنانية بالحرّية نفسها؛ لامتلاك حزب الله مضادّات طائرات، وقد يجرّ هذا الأمر الولايات المتحدة إلى الصراع، في نهاية المطاف، للدفاع عن إسرائيل.

تورّط إسرائيل في حرب متزامنة على الجبهتين، جنوبًا في غزة وشمالًا في لبنان، سيمثل تحدّيًا كبيرًا بالنسبة إلى جيشها

لتلافي ذلك، تحاول إدارة بايدن، بالتنسيق مع حلفائها الأوروبيين، خفض التصعيد الإسرائيلي مع لبنان عبر طرح تسويةٍ تتعلق بالحدود بين الجانبين، وتطبيق قرار مجلس الأمن، رقم 1701، لعام 2006، الذي حدّد شروط وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله. وينصّ هذا القرار، في جانبٍ منه، على حظر أيّ وجود مسلحٍ جنوب نهر الليطاني، على الحدود مع إسرائيل، باستثناء الجيش اللبناني والقوة الأممية "يونيفيل". وفي الوقت الراهن، يعمل كل من المبعوث الأميركي، عاموس هوكشتاين، ومنسّق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، على ترتيب هذا الملفّ مع لبنان وإسرائيل. لكن حزب الله لن يقبل، على الأرجح، الانخراط في أيّ ترتيباتٍ حدوديةٍ مع إسرائيل في ظل استمرار العدوان على قطاع غزّة؛ لأن ذلك سَيمسُّ بصورته باعتباره ركنًا أساسيًّا في "محور المقاومة" ضد إسرائيل. ثم إنه من غير المرجّح أن تقبل الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرّفة بأي صفقات حدودية قبل استعادة جزءٍ على الأقل من قدرة الردع التي فقدتها في 7 تشرين الأول/ أكتوبر. وكان وزير الأمن الإسرائيلي، يوآف غالانت، قد حذّر من نفاد الوقت قبل التوصل إلى حلّ دبلوماسي، وذلك قبل أن تشنّ إسرائيل حربا على حزب الله، في ضوء ضغوط آلاف الإسرائيليين ممن شرّدتهم الاشتباكات لتوفير بيئةٍ آمنةٍ تضمن عودتهم إلى البلدات الحدودية مع لبنان. ويذهب خبراء إلى أن قرار إدارة بايدن إعادة حاملة طائرات "يو إس إس جيرالد آر فورد"، في 5 كانون الثاني/ يناير، إلى قواعدها في الولايات المتحدة، أي بعد أيام قليلة من اغتيال العاروري، ربما تكون رسالةً ضمنيةً إلى إسرائيل حتى لا تراهن على وجود عسكري أميركي، في حال إطلاقها حربًا مع حزب الله، رغم أن الولايات المتحدة نفسها أرسلت بعد ذلك السفينة الهجومية البرمائية "يو إس إس باتان"، وسفينتين حربيتين مرافقتيْن لها؛ "يو إس إس ميسا فيردي" و"يو إس إس كارتر هول"، إلى المنطقة.

البحر الأحمر

وجّهت الولايات المتحدة، في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، حاملة الطائرات "يو إس إس دوايت دي أيزنهاور" ومجموعتها المقاتلة إلى البحر الأحمر وخليج عدن لردع هجمات الحوثيين على السفن التجارية التي لها علاقة بإسرائيل، ولكنّ ذلك لم يُؤدِّ إلى ردع الحوثيين. وتحاول إدارة بايدن تحقيق توازنٍ بين تأمين حرية الملاحة في أحد طرق الشحن التجارية الرئيسة في العالم (باب المندب) وعدم الانجرار إلى صراع عسكريٍّ مفتوحٍ في اليمن. ومنذ 19 تشرين الأول/ أكتوبر، هاجم الحوثيون أكثر من 25 سفينة تجارية وسفنًا أخرى عسكرية تابعة للبحرية الأميركية، كما أنهم أطلقوا طائرات مسيّرة وصواريخ باليستية يزيد عددها على المائة، بعضها موجّه ضد إسرائيل. وقد أسقطت البحرية الأميركية معظمها.

وفي 19 كانون الأول/ ديسمبر 2023، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية إطلاق عملية خاصة، أطلقت عليها اسم "حارس الازدهار"، ضمّت 20 دولة لحماية السفن من الحوثيين، إلا أن ذلك لم يوقف الهجمات. وفي نهاية عام 2023، دمّرت مروحياتٌ عسكريةٌ أميركية ثلاثة زوارق بحرية تابعة للحوثيين، عند محاولتها اعتراض طريق سفينة تجارية؛ ما أدّى إلى مقتل 10 من عناصرها. ويدرس البنتاغون حاليًّا القيام بعمل عسكري ضد الحوثيين، لكن الرئيس بايدن متردّد في ذلك خشية تورّط الولايات المتحدة في حربٍ إقليميةٍ جديدة، بخلاف وزارة الدفاع التي ترى ضرورة العمل العسكري لردع الحوثيين وحفظ هيبة الولايات المتحدة. وبسبب الانتقادات الحادّة التي تواجهها مقاربة إدارته لما تصفه الولايات المتحدة بالتهديد الحوثي، عقد مجلس الأمن القومي الأميركي، في 3 كانون الثاني/ يناير، اجتماعًا في البيت الأبيض لمراجعة الخيارات الممكنة، بما في ذلك شنّ ضربات عسكرية ضد الحوثيين في اليمن. ووفقًا لمسؤولين في الإدارة، زوّدت القيادة المركزية للولايات المتحدة، التي تغطي مهماتها منطقة الشرق الأوسط، الرئيس بخياراتٍ عسكريةٍ إضافية. وفي بداية كانون الثاني/ يناير 2024، أصدرت الولايات المتحدة و11 دولة أخرى بيانًا مشتركًا، دعا الحوثيين "إلى الوقف الفوري لهذه الهجمات غير القانونية والإفراج عن السفن والطواقم المحتجزة"، أو أنهم "سيتحمّلون العواقب". وفي إشارة ضمنية إلى جدّية الولايات المتحدة، تحرّكت حاملة الطائرات "يو إس إس دوايت دي أيزنهاور"، في 6 كانون الثاني/ يناير، من خليج عدن إلى البحر الأحمر في مهمة معلنة متمثلة في التصدّي للهجمات الحوثية على السفن التجارية.

توجيه ضربات محددة إلى مواقع إطلاق الصواريخ الباليستية على السفن وممرات الشحن، قد يجرّ الولايات المتحدة إلى الصراع في اليمن

لكن خيارات إدارة بايدن العسكرية تكتنفها مخاطر عديدة؛ فتوجيه ضرباتٍ محدّدة إلى مواقع إطلاق الصواريخ الباليستية على السفن وممرّات الشحن، قد يجرّ الولايات المتحدة إلى الصراع في اليمن، ويدمّر كل فرص تحقيق السلام في الحرب الدائرة هناك منذ تسعة أعوام، وهي الجهود التي كانت تقودها إدارة بايدن قبل اندلاع الحرب في غزّة. ثم إن ذلك لن يشلَّ قدرة الحوثيين كليًّا عن تهديد حرية الملاحة عبر وسائل أخرى؛ مثل الطائرات من دون طيّار، والألغام البحرية، والزوارق الهجومية السريعة، في حين أن إعادة تصنيف الحوثيين جماعةً إرهابية، واستهداف مواردهم المالية، وتقديم دعمٍ عسكريٍّ لقوى يمنية أخرى محسوبة على السعودية والإمارات، لطرد الحوثيين من مدينة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر، قد لا يحظى كلّه بدعم السعودية غير الراغبة في التصعيد العسكري في اليمن في الوقت الحالي. أما خيار مرافقة سفن عسكرية للسفن التجارية بين خليج عدن والبحر الأحمر فهو غير واقعي بسبب اتّساع المنطقة وعدد السفن الكبير الذي يعبر المنطقة كل يوم.

العراق وسورية

شنّت الفصائل الشيعية الموالية لإيران، منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر، أكثر من مائة هجوم ضد القوات الأميركية في سورية والعراق. وفي مقابل ذلك، ردّت الولايات المتحدة بضربات جوية انتقامية، أبرزها استهداف قائد بارز في حركة النجباء الموالية لإيران، مشتاق طالب السعيدي، المعروف أيضًا باسم "أبو تقوى"، في بغداد، في 4 كانون الثاني/ يناير. وقد تسبّب ذلك في أزمة مع الحكومة العراقية التي اعتبرت الهجوم يمثل "انتهاكًا لسيادة البلاد"، لأنه وقع في مقرٍّ أمنيٍّ رسمي عراقي يتبع "الحشد الشعبي"، ومن ثمّ، أعلنت أنها بصدد تشكيل لجنة للتحضير لانسحاب قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة من العراق. وقد تصاعدت بعد ذلك وتيرة الهجمات التي تتعرّض لها القوات الأميركية في سورية والعراق، وهو أمرٌ يهدّد بتوسع نطاق المواجهات بين الولايات المتحدة والمليشيات التي تدعمها إيران.

خاتمة

لا تتعلق التحدّيات التي تواجهها الولايات المتحدة في المنطقة باحتمال تداعي سياسة الردع التي أعلنتها فحسب، بل تمثل قدرتها على ضبط حليفها الإسرائيلي تحدّيًا أكبر بالنسبة إليها أيضًا؛ إذ ترتبط احتمالات التصعيد الإقليمي، أو عدمها، إلى حدٍّ بعيد، بسلوك إسرائيل. ومن خلال هذا المنظور، يصبح الدعم غير المحدود الذي تقدّمه إدارة بايدن لنتنياهو وحكومته، عسكريًّا وسياسيًّا، عبئًا عليها أكثر من كونه أداةَ ضغطٍ تُمكِّنها من التأثير في نهج إسرائيل وتجنّب حرب أوسع. فمع إعلان بلينكن أن الهدف من جولته الحالية منع توسّع الحرب في قطاع غزّة إلى صراع إقليمي أوسع، ردَّ نتنياهو بالتأكيد على أن إسرائيل ملتزمةٌ بتغيير جوهري على حدودها مع لبنان. إضافة إلى ذلك، يستمرّ نتنياهو في رفض أي دورٍ لسلطة فلسطينية "متجدّدة" في إدارة شؤون قطاع غزّة بعد انتهاء الحرب، وفي رفض القبول برؤية حلّ الدولتين، كما تقترح الولايات المتحدة. ولا تزال الحكومة الإسرائيلية تعطّل توسيع دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع، كما أنها ماضيةٌ في عمليات "القصف العشوائي" ضد المدنيين الفلسطينيين، فضلًا عن حديث بعض وزرائها عن تهجير سكان قطاع غزّة، وعن التصعيد الإسرائيلي في الضفة الغربية، وهما أمران تدينهما الولايات المتحدة، من دون أن تكون قادرةًً على وقفهما، ومن دون أن يخلّ ذلك بدعمها إسرائيل. وكان بلينكن قد وافق مرّتين على إرسال شحنات أسلحة كبيرة إلى إسرائيل من دون شروط، متجاوزًا الكونغرس أيضًا. وقد كانت المرّة الأولى في 8 كانون الأول/ ديسمبر، بإرسال 13 ألف قذيفة دبابات بقيمة تزيد على 106 مليون دولار. وكانت الثانية في 29 كانون الأول/ ديسمبر حين أقرّ إرسال ما قيمته 147.5 مليون دولار من قذائف المدفعية عيار 155 ملم، إلى جانب معدّات أخرى. وفي المرّتين، تذرّع بلينكن ببند "الطوارئ" لتجاوز مراجعة الكونغرس، وهو ما أثار غضب بعض المشرعين الديمقراطيين في مجلسَي النواب والشيوخ. وخلال الفترة بين 7 تشرين الأول/ أكتوبر ومنتصف كانون الأول/ ديسمبر، وافقت إدارة بايدن على شحن نحو 20 ألف قذيفة "جو – أرض"، بما فيها قنابل تزن ألفي رطل، كانت مسؤولة عن سقوط أكبر عدد من الضحايا المدنيين، وعن الدمار الهائل الذي لحق بقطاع غزّة، في وقتٍ تطالب فيه إدارة بايدن إسرائيل بتجنّب الأمرين، علمًا أن تقديرات الولايات المتحدة أن نتنياهو يضع مصالحه السياسية فوق المصالح الحيوية الأميركية، وقطعًا فوق مصالح بايدن الانتخابية. وقد أظهر استطلاع للرأي أجرته جامعة كوينيبياك، في تشرين الثاني/ نوفمبر، أن 84% من الأميركيين كانوا قلقين جدًّا أو قلقين إلى حدٍّ ما من احتمال انزلاق الولايات المتحدة إلى الصراع في الشرق الأوسط، وأظهر أيضًا أن غالبية القاعدة الانتخابية للديمقراطيين تريد وقفًا فوريًّا لإطلاق النار في قطاع غزّة، وتُبدي امتعاضها من طريقة إدارة بايدن ملفّ العدوان الإسرائيلي.