المناهج هي الأساس والأمل

المناهج هي الأساس والأمل

06 أكتوبر 2022
+ الخط -

مع بداية كل عام دراسي جديد، تثار قضايا عديدة متعلقة بالمدرسة والمعلم والطالب، ولكن لا اهتمام حقيقياً بالمناهج وطرق التدريس، والتي ينبغي أن تكون هي قلب العملية التربوية والتدريسية. صحيح أن المناهج وطرق التدريس تطوّرت كثيراً في العقود الأخيرة نظرياً، ولكننا للأسف نكاد لا نرصد نتائج هذا "التطوّر" إلا سلبياً، فحصيلة التعليم أصبحت أقلّ ومخرجات التفكير لم تتطوّر بما يتناسب وكل التطوّرات المحيطة بنا في العالم كله.

أتيحت لي في عشرين عاماً فرصتان للمساهمة في تعديل المناهج الدراسية المقرّرة من وزارة التربية الكويتية. وفي المحاولتين، لم يكتمل المشروع لأسباب خارجة عن إرادة فريق العمل. لكن ما استنتجته منهما أن المهمة، على سهولتها البادية، صعبة جداً في حقيقتها، فمهمة مثل هذه تحتاج تضافر جهود عديدة وكبيرة قد لا تخطر على بال كثيرين، فالمناهج ليست مقرّرات دراسية تحتوي على معلومات يُراد أن يُحشى عقل الطالب بها، فيحفظها حتى ساعة الامتحان، فيكتب ما يتذكّر منها وتستدعي الأسئلة، ولكنه سرعان ما ينساها بمجرّد خروجه من قاعة الامتحان، بل هي عملية أعقد وأشمل من ذلك بكثير، وليست المعلومات سوى الجزء السهل والبسيط منها.

أما الأعقد فهو طريقة تدريب الطالب على كيفية البحث بنفسه عن المعلومة والاقتناع بها، ثم التدريب على إنتاج آراء وأفكار معينة في مختلف القضايا مع احترام آراء الآخرين المتضادّة مع آرائه. كما أن طريقة تلقي المعلومات ومحاولة المقارنة بينها وتطوير الأفكار بشأنها تبدو مهمة صعبة لواضع المنهج وأصعب بالنسبة للمعلم الذي يجد نفسه مضطرّاً لترديد المعلومات أمام طلبته وفقاً للمنهج الموضوع من الآخرين، بغض النظر عن أفكاره الخاصة واطلاعاته الشخصية.

ورغم أننا غالباً ما ننظر إلى ماضينا المدرسي بتلك النظرة المستندة إلى عامل الحنين للذكريات الطيبة، والتي غالباً ما يصفيها الزمن، فيترك لنا منها أجملها ويزيّن الباقي، إلا أن هذا لا يمنعنا من انتقاد ذلك الماضي المدرسي الذي أسّس لفكرة الحفظ والمعلومات المعلبة في الكتب الدراسية، فيصبح الطالب الأكثر قدرةً على الحفظ هو الأكثر حصداً للدرجات، وبالتالي الأفضل بالنسبة للفرص المتاحة أمامه، بعد التخرّج من المدرسة.

لكن هذا قد يبدو مقبولاً في زمنٍ كان البحث فيه عن المعلومة والاحتفاظ بها طازجة في الذاكرة شيئاً مهماً لاستخدامها في الوقت المناسب بمباشرةٍ وسرعة شديدة. أما في عصر محرّك البحث الشهير غوغل، وما يتيحه للبشر أجمعين من معلوماتٍ شبه دقيقة وفورية، وبأيسر الطرق وأرخصها وأسهلها، فلم يعد للحفظ تلك القيمة الكبرى. فما قيمة أن يحفظ الطالب الأسماء والتواريخ والأماكن حفظاً لا يكاد يغادر به قاعة الامتحان، وكل هذه المعلومات يستطيع الحصول عليها ساعة يشاء عبر الهاتف الصغير الموجود دوماً بين يديه؟ الأهم من ذلك أن يتدرّب على طرائق التفكير وربط المعلومات للاستنتاج من خلالها والخروج بأفكار جديدة تتيح له أن يصبح عنصراً منتجاً في هذا العالم المتطوّر خارج المدرسة. وليس من المهم بعد ذلك كمية ما يتبقى من حصيلة المعلومات في رأسه، ما دام قد تعلم كيفية الحصول عليها وتدرّب على استخدامها بالشكل الذي يساهم في تنمية شخصيته وعالمه.

في إحدى اللجنتين اللتيْن ساهمت بهما لتطوير المناهج كانت المهمة تنحصر في تعويد الطالب على التفكير بطريقة إيجابية وإنسانية في قضايا حقوق الإنسان، وتعزيز قيم الحرية والديمقراطية المطلقة لديه من خلال تناول أفكار ونصوص ونظريات وقضايا معينة، بالإضافة الى التدريب على النقد الذاتي لكل ما يؤمن به الطالب مسبقاً، لكن هذا كله ذهب مع رياح الخوف من كل ما هو جديد في التفكير التربوي، ورفضت النتيجة النهائية التي توصل إليها الفريق بعد جهود مضنية استمرّت نحو عام، وشملت معظم الكتب الدراسية... لكن ما يسعدني أن المحاولات مستمرّة دائماً، ولن نتوقف عند أي محطة للفشل أو الرفض!

CC19B886-294F-4B85-8006-BA02338302F0
سعدية مفرح

شاعرة وكاتبة وصحفية كويتية، من مجموعاتها الشعرية "ليل مشغول بالفتنة" و"مجرد امرأة مستلقية"، ولها مؤلفات نقدية وكتب للأطفال. فازت بعدة جوائز، وشاركت في مهرجانات ومؤتمرات عدة.