العجز والتواطؤ العربي والدولي على غزّة

العجز والتواطؤ العربي والدولي على غزّة

08 ديسمبر 2023
+ الخط -

الحرب على غزّة أمام مزيج من حالة عجز وتواطؤ عربي ودولي. وفي كل يومٍ يمرّ، تتّضح الصورة أكثر، وخصوصا في العالم العربي. ومع أن جامعة الدول العربية عقدت قمّة عربية إسلامية في الرياض، وشكلت وفودا زارت الصين ودولا أخرى، إلا أن صوتها كان خافتا، وخطابها استجدائيا، ومهادنا. حتى اللحظة، لا نتيجة أمام عدوانٍ يجتاح أرضا عربية، تمدّه الولايات المتحدة، كل يوم، بأحدث الأسلحة التي تقتل المدنيين، وتهدم البنى التحتية والبيوت. وليس في وسع أحد أن يفسّر سبب هذا النأي بالنفس، عن جرائم الحرب التي تفتكُ بشعبٍ شقيق، سوى بلوغ جامعة الدول العربية وضعا مُزريا. وباتت دولها غير قادرة على اعتماد موقفٍ واحد، يحمي أهل غزّة من الإبادة، من خلال ممارسة ضغط على الحليفة الكبرى أميركا. وما يهمّ أكثر أن المواقف العربية تجاه غزّة هي نتيجة سلسلة من الانهيارات والتراجعات والهزائم الداخلية، والحسابات المحلية الضيقة. وعلى هذا، سوف تؤسّس لما ينتظر العالم العربي، ليس على مستوى سقوط التضامن فقط، بل فقدان القرار المستقل. وعلى الصعيد الشعبي، ليس الحال بأفضل مما هو عليه رسميا. وهو في أقصى ما وصل إليه، لم يبلغ سقف التضامن في بعض المدن الأوروبية. ويبدأ العجز الشعبي من أقرب نقطة إلى غزّة وهي مصر، ويتدحرج من بلد عربي إلى آخر، نزولا وصعودا، حتى يصل إلى حالة الصفر في بلد مثل الجزائر، الذي لم تخرج فيه مظاهرة تضامن واحدة، بسبب المنع الحكومي، بينما يلعلع الخطاب الرسمي، إن لا صوت يعلو فوق صوت المعركة.

منع المظاهرات التضامنية مع غزّة في الجزائر مبرّره المباشر الخوف من عودة الحراك الذي يطالب برحيل النظام، غير أن بعض الدول العربية صريحة في منع التضامن مع غزّة، ومتواطئة مع إسرائيل، بل لم تعد القضية الفلسطينية تعنيها من قريب أو بعيد، ومنها ما يهمّها التطبيع، وإقامة علاقات جيدة مع إسرائيل تصل حتى التحالف. ولذا ليست مستعدة أن تُغضبها، وتطلب منها أن تتوقّف عن قتل المدنيين وتهجيرهم من أرضهم. وتقف هذه الدول متفرّجة، بانتظار أن تُنجز إسرائيل مهمّة استباحة قطاع غزّة، والقضاء على حركة حماس، وكل ما يمثل مقاومة مسلحة. وبذلك تصبح حرّة في تنفيذ مشروع ضم الضفة الغربية من دون عقبات. وسيمتدّ هذا المشروع إلى تقرير مستقبل المنطقة. وأول الغيث، سيكون على العرب أن يتحمّلوا فاتورة هذه الحرب بالمعنيين المباشر وغير المباشر، ومن ذلك أن يتقبلوا، بالقوّة، إسرائيل طرفا أساسيا في الشرق الأوسط.

لا يتعلق العجز بالعرب فقط، بل بالدول التي لم تتوقّف عن المزايدات الكلامية، مثل إيران، التي رفعت شعار "وحدة الساحات" لنصرة غزّة، في حين أنها لم تقدّم حتى الحد الأدنى مما يترتب عليها. ومع تهافت هذه الأطروحة، تكشّف للرأي العام أن إيران تستخدم العرب دروعا بشرية في نزاعاتها مع إسرائيل والولايات المتحدة، وفي كل مواجهةٍ، تكون شريكة في الربح وخارجة من الخسارة. ومن العجز إلى انعدام الوزن، والتواطؤ، تتبدّل المواقف من الصين إلى روسيا، وبعض بلدان أوروبا. وتبيّن أن بكين وموسكو أصبحتا خارج معادلة التأثير في الشأن الفلسطيني، وغير مهتمّتين بمواجهة الولايات المتحدة خارج حدود مصالحهما المباشرة. وفي صدد روسيا، بدأت نتائج حربها على أوكرانيا تظهر بوضوح، لجهة تهميش الدور وعدم الفاعلية وغياب الوزن والتأثير. ولذا لم يصدُر عنها أي موقف يُعتدّ به، أو يمكن البناء عليه. وتفوّقت عليها دولٌ أصغر، مثل النرويج وإسبانيا، ميّزت نفسها عن بقية دول أوروبا، الشريكة، مثل ألمانيا وبريطانيا، والعاجزة كفرنسا.

1260BCD6-2D38-492A-AE27-67D63C5FC081
بشير البكر
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد